أحكام صلاة العيدين
صلاة العيدين - عيد الفطر وعيد الأضحى - مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين , وقد كان المشركون يتخذون أعيادا زمانية ومكانية , فأبطلها الإسلام , وعوض عنها عيد الفطر وعيد الأضحى ; شكرا لله تعالى على أداء هاتين العبادتين العظيمتين : صوم رمضان , وحج بيت الله الحرام .
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ; أنه لما قدم المدينة , وكان لأهلها يومان يلعبون فيهما ; قال صلى الله عليه وسلم : { قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما , يوم النحر , ويوم الفطر }
قلا تجوز الزيادة على هذين العيدين بإحداث أعياد أخرى كأعياد الموالد وغيرها ; لأن ذلك زيادة على ما شرعه الله , وابتداع في الدين , ومخالفة لسنة سيد المرسلين , وتشبه بالكافرين , سواء سميت أعيادا أو ذكريات أو أياما أو أسابيع أو أعواما , كل ذلك ليس من سنة الإسلام , بل هو من فعل الجاهلية , وتقليد للأمم الكفرية من الدول الغربية وغيرها , وقد قال صلى الله عليه وسلم : { من تشبه بقوم , فهو منهما } وقال صلى الله عليه وسلم : { إن أحسن الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها , وكل بدعة ضلالة }
نسأل الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه , وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه .
وسمي العيد عيدا لأنه يعود ويتكرر كل عام , ولأنه يعود بالفرح والسرور , ويعود الله فيه بالإحسان على عباده على إثر أدائهم لطاعته بالصيام والحج .
والدليل على مشروعية صلاة العيد : قوله تعالى : [ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ] وقوله تعالى : [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ] وكان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده يداومون عليها . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حتى النساء , فيسن للمرأة حضورها غير متطيبة ولا لابسة لثياب زينة أو شهرة ; لقوله عليه الصلاة والسلام : { وليخرجن تفلات , ويعتزلن الرجال , ويعتزل الحيض المصلى } قالت { أم عطية رضي الله عنها : كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد , حتى تخرج البكر من خدرها , وحتى تخرج الحيض , فيكن خلف الناس , فيكبرن بتكبيرهم , ويدعون بدعائهم ; يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته }
والخروج لصلاة العيد وأداء صلاة العيد على هذا النمط المشهود من الجميع فيه إظهار لشعار الإسلام , فهي من أعلام الدين الظاهرة , وأول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم للعيد يوم الفطر من السنة الثانية من الهجرة , ولم يزل صلى الله عليه وسلم يواظب عليها حتى فارق الدنيا صلوات الله وسلامه عليه , واستمر عليها المسلمون خلفا عن سلف , فلو تركها أهل بلد مع استكمال شروطها فيهم , قاتلهم الإمام ; لأنها من أعلام الدين الظاهرة ; كالأذان .
وينبغي أن تؤدى صلاة العيد في صحراء قريبة من البلد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيدين في المصلى الذي على باب المدينة ; فعن أبي سعيد : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج في الفطر والأضحى إلى المصلى } متفق عليه , ولم ينقل أنه صلاها في المسجد لغير عذر , ولأن الخروج إلى الصحراء أوقع لهيبة المسلمين والإسلام , وأظهر لشعائر الدين , ولا مشقة في ذلك ; لعدم تكرره ; بخلاف الجمعة ; إلا في مكة المشرفة ; فإنها تصلى في المسجد الحرام .
ويبدأ وقت صلاة العيد إذا ارتفعت الشمس بعد طلوعها قدر رمح , لأنه الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها فيه , ويمتد وقتها إلى زوال الشمس .
فإن لم يعلم بالعيد إلا بعد الزوال , صلوا من الغد قضاء ; لما روى أبو عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار ; قالوا : { غم علينا هلال شوال , فأصبحنا صياما , فجاء ركب في آخر النهار , فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس , فأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس أن يفطروا من يومهم , وأن يخرجوا غدا لعيدهما } رواه أحمد وأبو داود والدارقطني وحسنه , وصححه جماعة من الحفاظ , فلو كانت تؤدى بعد الزوال ; لما أخرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الغد , ولأن صلاة العيد شرع لها الاجتماع العام ; فلا بد أن يسبقها وقت يتمكن الناس من التهيؤ لها .
ويسن تقديم صلاة الأضحى وتأخير صلاة الفطر ; لما روى الشافعي مرسلا ; { أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عمرو بن حزم : أن عجل الأضحى , وأخر الفطر , وذكر الناس } وليتسع وقت التضحية بتقديم الصلاة في الأضحى , وليتسع الوقت لإخراج زكاة الفطر قبل صلاة الفطر .
ويسن أن يأكل قبل الخروج لصلاة الفطر تمرات , وأن لا يطعم يوم النحر حتى يصلي ; لقول بريدة : { كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر , ولا يطعم يوم النحر حتى يصلي } رواه أحمد وغيره .
قال الشيخ تقي الدين : " لما قدم الله الصلاة على النحر في قوله : [ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ] وقدم التزكي على الصلاة في قوله : [ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ] كانت السنة أن الصدقة قبل الصلاة في عيد الفطر , وأن الذبح بعد الصلاة في عيد النحر .
ويسن التبكير في الخروج لصلاة العيد ; ليتمكن من الدنو من الإمام , وتحصل له فضيلة انتظار الصلاة , فيكثر ثوابه .
ويسن أن يتجمل المسلم لصلاة العيد بلبس أحسن الثياب , لحديث جابر . { كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حلة يلبسها في العيدين ويوم الجمعة } رواه ابن خزيمة قي " صحيحه " , وعن { ابن عمر أنه كان يلبس في العيدين أحسن ثيابه } رواه البيهقي بإسناد جيد .
ويشترط لصلاة العيد الاستيطان ; بأن يكون الذين يقيمونها مستوطنين في مساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به , كما في صلاة الجمعة ; فلا تقام صلاة العيد إلا حيث يسوغ إقامة صلاة الجمعة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وافق العيد في حجته , ولم يصلها , وكذلك خلفاؤه من بعده .
وصلاة العيد ركعتان قبل الخطبة , لقول ابن عمر : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان يصلون العيدين قبل الخطبة } متفق عليه , وقد استفاضت السنة بذلك وعليه عامة أهل العلم , قال الترمذي : " والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم , أن صلاة العيدين قبل الخطبة " .
وحكمة تأخير الخطبة عن صلاة العيد وتقديمها على صلاة الجمعة أن خطبة الجمعة شرط للصلاة , والشرط مقدم على المشروط , بخلاف خطبة العيد ; فإنها سنة .
وصلاة العيدين ركعتان بإجماع المسلمين , وفي " الصحيحين " وغيرهما عن ابن عباس ; { أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر , فصلى ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما } و { قال عمر : صلاة الفطر والأضحى ركعتان , تمام غير قصر , على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم , وقد خاب من افترى } رواه أحمد وغيره .
ولا يشرع لصلاة العيد أذان ولا إقامة ; لما روى مسلم عن { جابر : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم العيد غير مرة ولا مرتين , فبدأ بالصلاة قبل الخطبة , بغير أذان ولا إقامة }
ويكبر في الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام والاستفتاح وقبل التعوذ والقراءة ست تكبيرات ; فتكبيرة الإحرام ركن , لا بد منها , لا تنعقد الصلاة بدونها , وغيرها من التكبيرات سنة , ثم يستفتح بعدها ; لأن الاستفتاح في أول الصلاة , ثم يأتي بالتكبيرات الزوائد الست , ثم يتعوذ عقب التكبيرة السادسة ; لأن التعوذ للقراءة , فيكون عندها , ثم يقرأ .
ويكبر في الركعة الثانية قبل القراءة خمس تكبيرات غير تكبيرة الانتقال ; لما روى أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ; { أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة , سبعا في الأولى , وخمسا في الآخرة } وإسناده حسن .
وروي غير ذلك في عدد التكبيرات : قال الإمام أحمد رحمه الله : " اختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير , وكله جائز "
ويرفع يديه مع كل تكبيرة ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه مع التكبير .
ويسن أن يقول بين كل تكبيرتين : الله أكبر كبيرا , والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا , وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليما كثيرا ; لقول { عقبة بن عامر : سألت ابن مسعود عما يقوله بعد تكبيرات العيد ; قال : " يحمد الله , ويثني عليه , ويصلي على النبي }
ورواه البيهقي بإسناده عن ابن مسعود قولا وفعلا .
وقال حذيفة : " صدق أبو عبد الرحمن " .
وإن أتى بذكر غير هذا ; فلا بأس , لأنه ليس فيه ذكر معين .
قال ابن القيم : " كان يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة , ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات " اه .
وإن شك في عدد التكبيرات , بنى على اليقين , وهو الأقل .
وإن نسي التكبير الزائد حتى شرع في القراءة ; سقط ; لأنه سنة فات محلها .
وكذا إن أدرك المأموم الإمام بعدما شرع في القراءة ; لم يأت بالتكبيرات الزوائد , أو أدركه راكعا ; فإنه يكبر تكبيرة الإحرام , ثم يركع , ولا يشتغل بقضاء التكبير