الخطأ الثاني – الغفلة الأبوية وضعف الصلة بين الوالد وولده :
الغفلة الأبوية نوع من أنواع اليُتم , الذي أوجدته هذه الغفلة المتأتية من ابتعاد الوالدين عن أبنائهم بالمشاغل والملاهي , والانغماس في الأعمال التجارية وأسفارهم القريبة والبعيدة , ورحلاتهم وسهراتهم الطويلة , وترك الطفل للخادمة لانهماك الأم بالوظيفة وارتياد الأسواق والتقلب بين الأزياء والموضة , لذلك إذا ما ترعرع الطفل وكبر خرج من سلطة الخادمة وأصبح عنده القدرة أن يخرج من البيت في غفلة من الوالدين إلى الشارع ليجعله منزلاً ومسرحاً يقضي فيه جل وقته إنه يُتم التربية , ومن سلبيات هذا اليُتم , غياب المسؤولية عند ولي الأمر حيث لا يعتني بأبنائه إلا نذراً يسيراً .
إن واقع هذه الغفلة الذي يعيشها كثير من أبنائنا اليوم يحكي الشيء الكثير عن الانحطاط الخلقي, والتردي السلوكي, والفشل التربوي الذي يعيشه الأبناء وخاصة في سن المراهقة وأوقات الفراغ .
وننبه ونقول : ليس المقصود مما تقدم أن يترك الأب والأم الوظيفة ، أو الأعمال التي يتكسبون منها لقمة العيش , ولكن المطلوب منهم أن تكون فترة الغياب عن أبنائهم غير طويلة , وغير مؤثرة عليهم , لذلك من الضروري , ومن الواجب على الأبوين تنظيم الوقت , وتخصيص جله للجلوس مع الأبناء , واصطحابهم إلى الأماكن التي تنمي أفكارهم وتصقل شخصياتهم وتنمي مواهبهم , وإشراكهم في الحياة العملية , وحل مشاكلهم بالطرق التربوية السليمة والصحيحة ، وتقوية الصلة فيما بينهما لأن من قواعد التربية المجمع عليها لدى علماء الاجتماع والنفس والتربية هي : تقوية الصلة بين الوالد والولد ليتم التفاعل التربوي على أحسن وجه , ويكتمل التكوين العلمي والنفسي والخلقي على أنبل المعاني ، وإليكم ما حدث ليَ مرة : ( في يوم من الأيام كنت أسير على الأقدام وبجانبي ولدي عمر ، وقد شبكت يدي بيده ، وكنت أمازحه ويمازحني ، ، ونتبادل الابتسامات العريضة . علماً أن ولدي المذكور يعتبرني أعز وأقوى صديق له ، ولا تكتمل سعادته إلا إذا خرجنا سوياً ، فرآنا أحد الأخوة على هذه الحال ، ولا أريد تسميته ، وهو لا يعرف أن عمر ولدي فنظر إليَ نظرة انتقاد ، وبدأ يتكلم في مجالسه ويقول : رأيت الدكتور يصاحب شاباً أصغر من أولاده متصرف معه تصرف الشبان ، وهذا لا يليق به ولا بموقعه الاجتماعي ، وعندما وصلني أمره ذهبت إليه في منزله لأبين له حقيقة الأمر ، وقلت له : إن الشاب الذي رأيته معي هو ولدي . فتعجب من ذلك ، وقال في الحرف الواحد : إلى هذه الدرجة تزيل الحواجز بينك وبين ولدك فهذا خطأ ) . انتهت القصة، وأترك تحليلها للقارئ هل هي خطأ أو صواب.
ومن المؤكد لدى أصحاب العقول النيرة أنه إذا كان ثمة جفوة ما بين الوالد وولده ، أو كان لدى الآباء غفلة فلا يمكن أن يتم تعليم وتحقيق تربية أو إيجاد سلوك رفيع , لذلك أوجب الشرع على المربين أن يبحثوا عن الوسائل الايجابية في تحبيب الأولاد بهم ، وتقوية الصلة بينهم , والصحوة من الغفلة , وبالتالي إيجاد التعاون معهم , واستشعار الشفقة عليهم , ومن أهم هذه الوسائل الابتسامة الدائمة على ثغر الوالد للولد , وتشجيع الولد بالهدية , واستشعاره بالاهتمام والشفقة عليه ، ومعاملته بحسن الخلق ، وتلبية رغباته المشروعة , واندماجه بولده , وأن يكون له المثل الأعلى ، وغير ذلك من الوسائل التربوية الناجحة .