عبدالرحمن الحميدي الشامي السياسة الشرعية علم أم ممارسة ؟
كاتب الموضوع
رسالة
سميرالابراهيم المدير العام
الدولة التي ينتمي اليها العضو : سوريا الدولة التي يقيم فيها العضو : تركيا عدد المساهمات : 2909 تاريخ التسجيل : 17/11/2009
موضوع: عبدالرحمن الحميدي الشامي السياسة الشرعية علم أم ممارسة ؟ الثلاثاء ديسمبر 10, 2019 8:27 pm
عبدالرحمن الحميدي الشامي السياسة الشرعية علم أم ممارسة ؟
عبدالرحمن الحميدي الشامي السياسة الشرعية علم أم ممارسة ؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين، أما بعد:
السياسة كلمة عربية خالصة معروفة، ومعانيها اللغوية تدور في فلك تدبير الشيء، والقيام عليه، والتصرف فيه بما يصلحه.
واصطلاحًا: اختلف العلماء في بيان مفهوم السياسة على معنيين:
الأول: معنى متعلق بالعقوبات والتأديب لا يتعداه، وهو قول جمهور فقهاء الأحناف. [البحر الرائق 5/76]، و[حاشية ابن عابدين 4/15].
الثاني: معنى متعلق بالسلطة والدولة وإدارة شؤون الرعية، وهو قول بعض فقهاء الأحناف، والمالكية، والشافعية، والحنابلة. [طلبة الطلبة، ص:167]، و[الكليات، ص:510]، و[منح الجليل 9/236]، و [حاشية الصاوي على الشرح الصغير 2/694]، [حاشية الجمل على شرح المنهج 3/26]، و[إعلام الموقعين 4/283].
وعرف السياسة الشرعية بعض العلماء المتأخرين بتعريفات شاملة جامعة هي زبدة أقوال الأقدمين وخلاصة بحوثهم، فعرفها العلامتان عبد الرحمن تاج ووهبة الزحيلي -رحمهما الله- بأنها : (الأحكام التي تنظم بها مرافق الدولة وتدبر بها شؤون الأمة، مع مراعاة أن تكون متفقة مع روح الشريعة نازلة على أصولها الكلية، محققة أغراضها الاجتماعية، ولو لم يدل عليها شيء من النصوص التفصيلية الجزئية الواردة في الكتاب أو السنة) [السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، لعبد الرحمن تاج 2/18]، و[الذرائع في السياسة الشرعية والفقه الإسلامي، لوهبة الزحيلي، ص:9].
وقد وجدنا بعض المثقفين والإعلاميين -للأسف!- قد حصروا السياسة الشرعية في نطاق الممارسة بعيدًا عن العلوم الشرعية تحديدًا، وهذا تلبيس وتدليس، وتحريف وتخريف .. ففتحوا الباب على مصراعيه أمام كل من هب ودب ليخوض في بحر السياسة الشرعية بلا علم ولا فهم، ولا دليل ولا تعليل !
ومما لا شك فيه أن السياسة الشرعية هي خليط بين العلم والممارسة، فمن جعلها علمية بحتة وقع في الأخطاء العملية التطبيقية، ومن جعلها ممارسة متجردة عن العلم وقع في المحظور والمحذور !
فإنه يندرج تحت السياسة الشرعية: الحكم، والشورى، والحسبة، والقضاء وغيره، وهذا يحتاج من استبطن دخائل العلم، واستجلى غوامضه، وخاض عبابه، وغاص على أسراره، وأحصى مسائله، واستقرى دقائقه، واستخرج مخبآته .. وفي المقابل تندرج تحت السياسة الشرعية: إدارة الحروب، والاستخبارات، وتدبير شؤون الرعية والقيام على أمورهم بما يصلحهم في الحال والمآل، وهذا يحتاج من حلب الدهر أشطره، وعرف حلوه ومره، ومارس نفعه وضره.
ومع هذا وذاك؛ فإن العلم يغطي المساحة الأكبر من السياسة الشرعية؛ لأن العلم في الشرع أساس، وللسياسة نبراس، والجهل يجعل الدولة ورعيتها أقرب إلى الفساد، وأبعد عن الصلاح !
ولذلك نقول: ميدان السياسة الشرعية ميدان خطير، لا يقطعه إلا أهل التحصيل، ولا يسلكه إلا أرباب الاجتهاد، ولا يسابق فيه إلا أولي العرفان وجهابذة أهل النظر !
يقول الشيخ الدكتور عبد العال أحمد عطوة: (لا يجوز أن يلج ميدان السياسة الشرعية إلا المجتهد الذي توفرت فيه شروط الاجتهاد التي قررها وفرغ منها علماء الأصول وأقرها فقهاء المسلمين، وليست ميدانًا مباحًا لمن لم تتحقق فيه هذه الشروط، أو شدا طرفًا منها، كما يفعل ذلك نابتة من أبناء العصر من الكتّاب ومن رجال القانون، زاعمين أن الشريعة ليست حكرًا على أحد ولا وقفًا عليه، وأنها تأمر كل مسلم بالاجتهاد في كل ما يجد من معاملات وتصرفات وأفكار ! ونسيء هؤلاء وأولئك مبدأ التخصص الذي ينادون بالأخذ به وتطبيقه في كل مجال، ومنع غير المتخصصين من ولوج الميادين التي لم يختصوا فيها) [المدخل إلى السياسة الشرعية، ص:134].
وفي المقابل نجد أن السياسة الوضعية -المعاصرة- يغلب فيها جانب الممارسة جانب العلم، والسبب أن السياسة الشرعية لا يمارسها إلا من كان عالمًا بالحلال والحرام، بعكس السياسة الوضعية التي تقوم على “المصلحة” حلالًا كانت أو حرامًا -لا فرق- !
يقول موريس دوفرجيه: (نعلم اليوم أن قطاع هذه “السياسة العلم” أصغر من قطاع “السياسة الفن” التي تستند إلى أمور غير دقيقة ولا يمكن حسابها، أمور حدسية لا عقلية. وعبث أن نؤمل أن يغطي القطاع الأول القطاع الثاني في يوم من الأيام تغطية كاملة، وأن تصبح السياسة علمية كلها) [مدخل إلى علم السياسة، ص:9-10].
والحمد لله رب العالمين.
وكَتَبهُ/ عبدالرحمن الحميدي الشامي عضو رابطة علماء ودعاة سورية عضو جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكيل العلامة د. محمد الددو الشنقيطي في الإجازة والإسناد.
عبدالرحمن الحميدي الشامي السياسة الشرعية علم أم ممارسة ؟