سميرالابراهيم المدير العام
الدولة التي ينتمي اليها العضو : سوريا الدولة التي يقيم فيها العضو : تركيا عدد المساهمات : 2909 تاريخ التسجيل : 17/11/2009
| موضوع: الإسلام صالح لكل زمان ومكان: بقلم الشيخ عبدالرحمن الحميدي الشامي السبت أكتوبر 26, 2019 4:17 pm | |
| الإسلام صالح لكل زمان ومكان: بقلم الشيخ عبدالرحمن الحميدي الشامي
[الإسلام صالح لكل زمان ومكان] قضية خبرية، ومسألة يقينية، وقاعدة شرعية، لا تقبل النقاش ولا المساومة: أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان. فقديم الإسلام جديد، وجديده قديم، يشهد بذلك الوحي، والتاريخ، والعقل، والفطرة. فالإسلام “َمنهج حياة” يقود البشرية للأفضل، ويحقق لهم مصالحهم، ولا يقصر عن حاجاتهم، يحث على الفضيلة، وينهى عن الرذيلة، يحافظ على الكليات، ولا يهمل الجزئيات، يحل المشكلات المتجددة، ويتعامل مع الوقائع المتطورة، يأمر بالعدل، ويُجرّم الظلم، يدعو للإيمان والخير، ويحارب الكفر والشر، يعاقب المجرمين، وينصر المستضعفين، يحث أتباعه على الائتلاف، ويذم الفرقة والاختلاف، يتعامل مع اليقينيات، ويعرض عن الخرافات، يدعو للعلم، ويكره الجهل، يستوي تحت حكمه الأبيض والأسود، والعربي والأعجمي؛ فلا فرق بينهم إلا بالتقوى، يقيم الاقتصاد الناجح، ويرشد إلى السياسة الحكيمة، ويدل على الإدارة الرشيدة، سهل التطبيق، لا يقبل التضييق، يتميز بالواقعية، والمواكبة العصرية، لا يعيش في فراغ، ولا يوصد في دماغ !! فقبل أربعة عشر قرنًا، من واد غير ذي زرع بدأ الإسلام يغمر الكون هاديًا وبشيرًا، يوم كانت العرب من أتعس أهل الأرض، فحمله المسلمون الأوائل “رجال الصحراء” الذين عرفوا معنى الإسلام وحقيقته وأهميته وحاجة البشرية إليه، فكانوا على يقين بتحقيق وعد الله الذي قدر كل شيء بحكمة وقضاه، وأجراه بأمره وأمضاه، فرضوا بتعاليمه فأنعم الله عليهم وأرضاهم، وسخط المنافقون فأبعدهم الله وأقصاهم ! ويصور لنا الإمام التابعي قتادة -رحمه الله- حال العرب قبل الإسلام، وما آل إليه حالهم بعد الإسلام، فيقول: (كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه. من عاش منهم عاش شقيًا، ومن مات ردي في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًا، وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عز وجل بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحل لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس. وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإن ربكم منعم يحب الشاكرين، وإن أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك) [جامع البيان في تأويل القرآن للطبري 88 – 7/87]. فالإسلام كان هو الدواء، بل الشفاء، وإن هذه الأمة لن تعود للصدارة إلا عندما تحمل الوحي مرة أخرى، وإلا فإنها ما تلبث أن تهوي من عليائها، وتنزل من شامخ عزها، ويُنكس رأسها، وتشرف على حضيض التلاشي والفناء؛ فتلقى صغارًا بعد شمم، وابتداعًا بعد اتباع، وعبودية بعد حرية، وخمولًا بعد نباهة، وذلًا بعد عزة، وجهلًا بعد علم، وبطالة بعد نشاط، وتقاطعًا بعد ائتلاف، وضياعًا بعد وحدة، وفسادًا بعد نزاهة، وواقع الأمة اليوم خير شاهد، وأعظم دليل !! وقد بيّن لنا الله -جل وعز- كمال الشريعة، فلا حلال إلا ما أحلته الشريعة إلى قيام الساعة، ولا حرام إلا ما حرمته إلى قيام الساعة، كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) [المائدة:3]. يقول سيد قطب -رحمه الله- عند هذه الآية: (فأعلن لهم إكمال العقيدة، وإكمال الشريعة معًا؛ فهذا هو الدين، ولم يعد للمؤمن أن يتصور أن بهذا الدين -بمعناه هذا- نقصًا يستدعي الإكمال، ولا قصورًا يستدعي الإضافة، ولا محلية أو زمانية تستدعي التطوير أو التحوير، وإلا فما هو بمؤمن، وما هو بمقر بصدق الله، وما هو بمرتض ما ارتضاه الله للمؤمنين ! إن شريعة ذلك الزمان الذي نزل فيه القرآن، هي شريعة كل زمان؛ لأنها -بشهادة الله- شريعة الدين الذي جاء “للإنسان” في كل زمان وفي كل مكان، لا لجماعة من بني الإنسان، في جيل من الأجيال، في مكان من الأمكنة، كما كانت تجيء الرسل والرسالات. الأحكام التفصيلية جاءت لتبقى كما هي، والمبادئ الكلية جاءت لتكون هي الإطار الذي تنمو في داخله الحياة البشرية إلى آخر الزمان، دون أن تخرج عليه، إلا أن تخرج من إطار الإيمان ! والله الذي خلق “الإنسان” ويعلم من خلق، هو الذي رضي له هذا الدين، المحتوي على هذه الشريعة؛ فلا يقول: إن شريعة الأمس ليست شريعة اليوم، إلا رجل يزعم لنفسه أنه أعلم من الله بحاجات الإنسان، وبأطوار الإنسان !) [في ظلال القرآن 2/842]. فالإسلام باق إلى قيام الساعة، قد يهزم المسلمون؛ لكن الإسلام يدوم منتصرًا، يضعف أتباعه ويظل قويًا، يذهب أنصاره ويبقى شامخًا، يقل محبوه ويمكث عزيزًا؛ لأن الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، ووعد ببقائه، وتكفل بحفظه ودوامه. يقول الدكتور يوسف القرضاوي: (فقد جرى قدر الله ومشيئته بضمان أمرين يكفلان لهذه الشريعة دوامها إلى قيام الساعة: أولًا: تكفل الله -عز وجل- بنفسه، بحفظ دستورها ومصدرها الأول، وهو القرآن الكريم، فقال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9]، في حين لم يتكفل بحفظ الكتب السماوية السابقة، وإنما استحفظ عليها أهلها فقط، نظرًا لأنها كانت أساسًا لشرائع مرحلية مؤقتة، ستنسخها شرائع أخرى، آخرها الشريعة المحمدية. وحفظ القرآن يتضمن حفظ السنة، كما وضح ذلك الإمام الشاطبي في “موافقاته”، السنة بيان للقرآن، كما قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم} [النحل:44]، وحفظ المبيّن يقتضي حفظ البيان؛ لأنه لازم له. ثانيًا: ألا تجتمع هذه الأمة على ضلالة، فلا تزال طائفة منها قائمة على الحق، لا يضرهم من خالفهم؛ حتى يأتي أمر الله. كما اقتضت حكمته تعالى أن يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة دينها، وأن يقوم في كل عصر من يحمل علم الشريعة ينفي عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين) [شربعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، ص:13]. والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين. وكتبه/ عبد الرحمن الحميدي الشامي
|
|