البرازيليون "يدخلون في دين الله أفواجا" وفرنسا تتعجب من ذلك
بالرَّغم من أن المسلمين يشكلون 1.5% فقط من عدد السكان في البرازيل، إلا أن سرعة انتشار الإسلام بين البرازيليين وُصفت بأنها سرعة جنونية، مما جعل الإسلام الآن هو الديانة الثانية في البرازيل، لكن ذلك يلقي واجبًا ثقيلًا على جميع الأمة الإسلامية، وخاصة علماءها ودعاتها لاحتواء هؤلاء المسلمين الجدد وتعليمهم أصول الإسلام الحنيف، حيث تشكو الساحة البرازيلية -مثلها مثل كثير من البلدان في أرجاء المعمورة وخاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية- من نُدرة الدعاة والمربِّين، لا لكي ينشروا الإسلام بين غير المسلمين –وهذا واجب حري أن تفنى فيه الأعمار– ولكن ليعلموا مبادئ الإسلام لمن يدخل في رحاب الإسلام.
صحيفة "لوفيجارو" الفرنسية نشرت تحقيقًا عن زيادة انتشار الإسلام في البرازيل بصورة مطَّردة، ذكرت فيه أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر دفعت الكثير من غير المسلمين إلى الرغبة في التعرف بصورة أفضل على دين الإسلام الذي تتعمَّد وسائل الإعلام الغربية تشويه صورته السَّمحة، وهو ما نتج عنه تزايد عدد الأشخاص الذين يعتنقون الإسلام فى البرازيل بشكلٍ يومي.
11 سبتمبر .. الداعية الجديد !!
"روزانجيلا" سيدة برازيلية اعتنقت الإسلام في بداية التسعينيات وتعمل في مركز نشر الإسلام لأمريكا اللاتينية، تُرجع السبب في انتشار الإسلام بين البرازيليين مؤخرًا إلى هجمات 11 سبتمبر، حيث دفعت هذه الأحداث البعض إلى الرغبة فى معرفة المزيد عن المسلمين، كما أن البعض الآخر تشككوا فيما تنشره الصحافة عن الإسلام، ولذلك، كما تروي روزانجيلا، فإن هؤلاء الأشخاص عندما جاءوا إلى المركز رأوا أن الإسلام لا علاقة له بالعنف والكراهية اللتين تلصقان به، وبدأ البعض منهم تدريجيًّا في اعتناق الإسلام.
من جهته؛ يقول الأستاذ بجامعة فلوميننسي "باولو دا روشا بينتو": إن تحديد عدد المسلمين في البرازيل يصعب تحديده بشكل دقيق، إلا أنه أضاف أنه يقارب المليون مسلم، وأكبر مؤشر على ازدياد انتشار الإسلام في البرازيل، من وجهة نظره، هو تزايد عدد المساجد والمراكز الإسلامية، فعلى الرغم من وصول أفواج عديدة من المسلمين في وقت مبكر من القرن العشرين، سواء من سوريا أو لبنان أو فلسطين، إلا أن أول مسجد لم يفتتح إلا في عام 1960، ولم يبدأ بالفعل بناء المساجد إلا في الثمانينيات، ليتسارع إيقاع البناء في بداية الألفية الثالثة.
حركة اعتناق الإسلام كانت دائمًا موجودة في البرازيل على مرّ القرون السابقة، برغم أن حركة الدعوة إلى الإسلام كانت منخفضةً للغاية، ولكنها كانت بصفة عامة ترتبط بزواج برازيلية من شخص مسلم، بَيْد أن أحداث 11 سبتمبر، كما يؤكد باولو دا روشا، قد زادت من توضيح الرؤية الحقيقية للمسلمين بصورة أفضل، وأزكت الفضول في التعرف عليهم أكثر، ويكشف الأستاذ الجامعي عن أن الفصول الدراسية الجامعية التي تدرس أحوال العالم العربي والإسلام، والتي كانت نسبة الحضور فيها ضعيفة للغاية، باتت تزدحم الآن بالرواد.
وسائل أخرى
إلا أن هناك عاملًا آخر ساهم في إقبال عدد كبير من البرازيليين على اعتناق الإسلام، وهو المسلسل التليفزيوني "لو كلون" فبعد ثلاثة أسابيع من هجمات 2001 على مركز التجارة العالمي، أطلقت قناة "جلوبو" هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في المغرب ويقوم بتصوير العالم العربي والإسلامي، وقد كان هذا الأمر تلقائيًّا، حيث كانت القناةُ تخطِّط لعرضه من قبلها بشهور، وقد لاقى هذا المسلسل نجاحًا كبيرًا، حتى أن عبارة "إن شاء الله" باتت تستخدم بطريقة شائعة في شوارع ريو دي جانيرو وساو باولو.. وأصبحت الكثير من النساء البرازيليات يخططن للتخلي عن دينهم من أجل الزواج من "سعيد" البطل المسلم في المسلسل، وهو شخصية رومانسية ينال احترام زوجته.
ويرى الشيخ جهاد، إمام أحد المساجد، أن هذا المسلسل قد ساهم أكبر مساهمة في قبول الكثيرين للإسلام، وذلك على الرغم من أن بعض المسلمين كانوا يتوجهون إليه معترضين على الأسلوب الكاريكاتوري الذي يقدمه المسلسل، ولكنه كان يجيبهم بأنه مسرور معلِّلًا ذلك بأن الصورة المأخوذة عن المسلمين قبل ذلك كانت تصورهم بأنهم كائنات من كوكب آخر أو إرهابيون.. أما الآن فينظر إليهم كأناس يحبون الآخرين ويؤثرون في المجتمعات الأخرى.
تقليد المسلمين
وتنقل الصحيفة شهادة أحد الشباب البرازيليين الذين اعتنقوا الإسلام، وهو نجم أحد فرق ما يسمى بموسيقى الراب في "ساو باولو"، والذي يقول أن رُبع أعضاء فرقته قد اعتنقوا الإسلام، في حين أن الآخرين قد اختاروا أن يقلِّدوا أسلوبهم في الحياة مثل عدم شرب الخمر، وعدم التدخين، واحترام المرأة ومساعدة مجتمعهم، ويرى هذا الشاب أن الإسلام قد أنقذ بذلك العشرات من أصدقائه من الخمر والمخدرات والسجن.
مدير مركز الدراسات العربية في البرازيل "باولو فرح" يؤكد بدوره أن وصول رسالة المساواة بين البشر والعدالة الاجتماعية التي يحملها الإسلام إلى ضواحي البرازيل قد شهدت نجاحًا كبيرًا في قلب هذه المجتمعات الأكثر فقرًا، لاسيما بين الشباب الذين يعانون من عنصرية ووحشية الشرطة.
كما تلقي الصحيفة الضوء على موقف الحكومة البرازيلية التي ترفض معاملة المسلمين كشعب منفصل، مستدلةً على ذلك أنه في أعقاب أحداث سبتمبر، طلبت وزارة الخارجية الأمريكية من حكومات باراجواي والبرازيل النظر عن كَثَب إلى الجاليات الإسلامية.
وفي حين سارعت باراجواي بحماس إلى تنفيذ ذلك والقبض على بعض التجار المسلمين فيها، بل وحتى تعذيب البعض منهم، أجابت البرازيل أنها ستدافع عن جميع المواطنين البرازيليين بلا استثناء ضد أي تدخلات أجنبية، إلا أن ذلك لا يعني، كما تستدرك الصحيفة، أن ظاهرة "الإسلاموفوبيا" غائبة تمامًا عن البرازيل.
الحاجة إلى الدعاة
الواقعُ في البرازيل الآن والذي يشهد تنامي عدد المسلمين بسرعة عجيبة يتطلب الكثير من الجهود لتعليم هؤلاء المسلمين الجُدُد أمور دينهم، حيث يوجد هناك تلاميذ مسلمون كثيرون لا يعرفون اللغة العربية، ويجهلون مبادئ الإسلام الأساسية، وينتظرون على أحرِّ من الجمر افتتاح مدارس إسلامية، حيث لا توجد مدارس كافية، وإن وجد بعضها فهناك عائق الرسوم العالية؛ وهو ما مثَّل عقبةً أمام كثير من الطلاب في الالتحاق، سواء بالمدرسة الإسلامية، أو حتى المدارس الخاصة التي تسمح بتعلم اللغة العربية والدين الإسلامي على الأقل.
كما أن هناك شكاوى من الأُسر المسلمة من عدم استطاعتها إدخال أبنائها في المدارس التي تعلِّم الدين واللغة، وأن عددًا آخر اضطُرَّ أن يخرج أولاده من المدارس الإسلامية؛ لعدم استطاعتهم تسديد الأقساط المستحقة عليهم.
نعم هناك نشاطات إسلامية إيجابية، لكنها متفرقةٌ ولا تفي بالطلب، ولا تحقق الحد الأدنى من احتياجات مسلمي البرازيل، وهو ما يلقي العبء على العلماء والمؤسسات الدعوية أن يقوموا بدورهم تجاه إخوانهم المسلمين في البرازيل وأمثالها من الدول التي تشهد انتشارًا واسعًا للدين الإسلامي يومًا بعد يوم.