أما بعد ، أيها الإخوة المؤمنون :
سر الاستغفا ر
اخوا ني تفكروا في هذه الدنيا من الذي رفع سما ها من الذي اغطش ليلها واخرج ضحا هاوالارض بعدذلك دحا ها اخرج منها ماءها ومرعاها
هل من اله غير الله يرزقكم من السما ء
قلَّبت صفحات كتاب الترغيب والترهيب هذا اليوم وإذ بي أقع على حديثٍ قلت في نفسي سأجعل من هذا الحديث منطلقاً لحديثي مع الناس ، وبالتالي سأبني عليه خطبة اليوم ، هذا الحديث حسب ما قال صاحب الترغيب والترهيب " المنذري " روى البيهقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خطب في الناس فقال : " ألا أدلكم على دائكم ودوائكم ؟! " - كرر ذلك ثلاث مرات - ثم قال : " ألا أن داءكم الذنوب ودواءكم الاستغفار " تذكرت قوله تعالى وأنا أقرأ هذا الحديث : ﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ﴾ نوح : 10-12 قلت في نفسي سأكلم نفسي وإياكم عن الاستغفار ، ما دام الداء هو الذنوب فالدواء هو الاستغفار ، وقرأت حديثاً آخر يرويه الحاكم بإسناد صحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له : " واذنوباه ، واذنوباه ، واذنوباه ! " قال ذلك ست مرات يشتكي ذنوبه ، وكأن هناك رابطة بين هذا الحديث وبين الحديث السابق ، فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال : " ألا أن داءكم الذنوب ودواءكم الاستغفار " جاء هذا الرجل يشكو من داء وبيل " واذنوباه " فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قل : " اللهم مغفرتك أوسع لي من ذنوبي ، ورحمتك أرجى عندي من عملي " قالها الرجل . فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " عد إلى قولها " فعاد الرجل فقالها ، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " قلها ثانية " فقالها الرجل ثانية وثالثة ، ثم قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " قم فقد غفر الله لك " وقرأت حديثاً آخر في الاستغفار يرويه أبو داوود في سند صحيح يقول فيه صلى الله عليه وآله وسلم : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " أنادي نفسي وشبابنا ، وأنادي أمتنا بأن يلزموا الاستغفار فنحن في همٍّ ،من ، ما أكثر همنا وما أشد ضيقنا ! ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمداداً من قول الله عز وجل : ﴿ فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً ﴾ نوح : 10-11 استمداداً من هذه الآية يقول لنا : " من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب " لمَ لا يكون لك ورد أيها الشاب ، أيها التاجر ، وخذها بدءاً من الآن . لمَ لا يكون لك وِرْدٌ كل يوم كما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكما ورد في سنن ابن ماجه عن سيدنا عبد الله بن عمر قال : " كنا نَعُدُّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله في المجلس الواحد يقول : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " مائة مرة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في البخاري : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة " وفي رواية : " سبعين مرة " وفي رواية " مائة مرة " رواه البخاري ومسلم . لم لا يكون لك ورد في الصباح وفي المساء تقول فيه : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " فهذا دواؤنا أو بعض دوائنا حتى لا نلخص الدواء بكلمة استغفار ، لكننا نقول هذا من بعض دوائنا . لم يا أخي الطالب ، لم يا أخي التاجر ، لم يا أخي القاضي ؟ وأنت تشكو من ضيق ألم بك ، وكلنا يشكو من هم وقع علينا وأصبحنا ننوء تحته لثقله ولكبره ، لم يا أخي لما لا تكثر من الاستغفار ، لم لا تعلم ولدك - وولدك في ضيق حتى وإن تبدى مسروراً فكما قلت لكم : إن سحب الضيق ملبدة في سمائنا اليوم ، وإن سحب الهم لا تكاد تفارق ساحاتنا التي نراها صباح مساء فوق رؤوسنا بقليل - لم يا إخوتي لم لا نستغفر ربنا عز وجل ، لم لا يكون لنا ورد هو استغفار ؟! يقول عليه وآله الصلاة والسلام في حديث يرويه البخاري أيضاً : " من قال حين يصبح سيد الاستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت ، خلقتني وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " من قال حين يصبح موقناً بها فمات فهو من أهل الجنة ومن قال ذلك في مسائه - من قال سيد الاستغفار موقناً بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة " يروي أيضاً ابن ماجه والبيهقي قال : " من أراد أن تسرَّه صحيفته يوم القيامة فليكثر من الاستغفار " وليس في السند مجروح هكذا يقول من علَّق على الترغيب والترهيب ، أكثروا من الاستغفار ﴿ إنه كان غفاراً . يرسل السماء عليكم مدراراً . ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً ﴾ نوح : 10-12 . أيها الشاب في الجامعة ليكن لك ورد استغفار ، فقد ورد أيضاً في حديث حسن أن الملائكة لا تكتب الذنب إلا بعد ثلاث ساعات تنظر هل يستغفر هذا الذي أذنب ، فإن استغفر طوي أمره ، وإن لم يستغفر سجلت سيئات ما عمل ﴿ إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ﴾ الأعراف : 201 قال ابن مسعود : تذكروا أي استغفروا ﴿ فإذا هم مبصرون ﴾ الأعراف : 201 استغفَروا فغَفَر الله لهم أتوجه إلى نفسي وإلى امتنا بأن يوفقنا ربي عز وجل لنكون من المستغفرين ، لنكون من الأوابين ، لنكون من الحليمين . أتوجه بعد ذلك إلى ربي لأطلب منه أن يُفرِّج على أمتنا ، ويجعل بلادنا في عنايته وأمانه وحفظه ، اللهم إنا نسألك يا ربنا أن تفرج عن المسلمين ، وأن توحد المسلمين ، وأن تحفظ بلادنا ، وأن تحفظ شعوبنا ، وأن تحفظ ديننا ، وأن تردنا جميعاً إلى دينك رداً جميلاً ، وأن تصرف عنا السوء وأهله ، والشر وأهله ، نعم من يسأل أنت ، ونعم النصير أنت ، أقول هذا القول وأستغفر الله .