قراءة في مفردات الكون
ترى مَن علّـم العصفور هذا التغريد الشجي ..!؟
ومَن ألهم النحل هذا النظام الفريد ..؟!
ومن ملّـح البحار بهذه الملوحة الحافظة ..؟!
ومَـن أبدعَ الشفق .. ولوّن الغروب ..
وأخرج الغسق .. ونوّر القمر إذا اتسق ..؟!!
مَن شقق الضياء .. وجلى الضحى ضاحكاً ..
وأظلم الليـل .. وصفّى السماء حتى تكاد تبتسم .!؟
من كوّم الغيوم .. وسيّر الماء سيولاً وثلوجاً فوق رؤوس الخلائق ،
ثم أنزلها بقدر حيث يشاء ،
وعلى من يشاء ، كيف يشاء ..؟!
من أحيا .. ومن أمات ..!؟
من يعز بعد إذلال ، ومن يذل بعد إعزاز ..!؟
من يفقر يعد غنى .. ومن يغني يعد فقر ..؟!
من يرفع .. من يخفض .. من يعطي .. من يمنع ..؟!
من .. ومن .. ومن ..الخ
إذا لم تكن هذه المشاهد كلها
مهيجة للقلب إلى معرفة الله سبحانه ، والحب له ، والتعلق به ،
والتسبيح باسمه ليل نهار ، والعمل من أجله
، وفي سبيل تحصيل مرضاته مع الأنفاس ، ..
إذا لم يكن الأمر كذلك ..
فإن هذا القلب يحتاج إلى أن يبكي ، ويئن ، ويتضرع ، ويشكو إلى الله مواته !
وعليه من جهة أخرى :
أن لا ييأس فإن الله يحيي الأرض الميتة..!
فإذا استفاق القلب ، وتنوّر وأضاء ، وأشرق بنور ربه تعالى :
رأى بعين بصيرة واضحة ، في كل شيء يمر به آية ،
وفي كل مشهد علامة ، وفي كل حادث حديث متفرع ،
ودليل وبرهان ..
قلوبُ العارفين لها عيونٌ **** ترى ما لا يُرى للناظرينا
ومن ثم يسير مرفوع الرأس ، ويحيا في الدنيا عزيزاً كريماً ،
كأنه ليس من أهلها .. الناس في واد ،
وهو ( بقلبه ) في واد أرقى وأعلى ، مع أنه بجسده معهم ،
يحتك بهم ، ويسمع منهم ، ويبتسم لهم ، ويصبر عليهم
.. ويعجب مما منه يعجبون ، ولكن قراءته للأشياء مختلفة تماماً ..
ترى متى نصل إلى هذا المقام الرفيع ، وهذه الذرى العالية لنرى في كل شيء آية ..؟
تأملْ صحيفات الوجود فإنها *** من الجانب الأعلى إليك رسائلُ
فقد خُطّ فيها إن تأملتْ خطها : *** ألا كل شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ