محمد عبد الوهاب المغلاج مشرف
عدد المساهمات : 5 تاريخ التسجيل : 05/11/2019
| موضوع: قواعد قرآنية -القاعدة الأولى : بقلم الشيخ محمد المغلاج الثلاثاء نوفمبر 19, 2019 6:51 pm | |
| قواعد قرآنية -القاعدة الأولى : بقلم الشيخ محمد المغلاج+ = - الحمد لله وحده،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، القاعدة الأولى : ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢١٦] هذه قاعدة عظيمة لها أثرٌ بالغ في حياة الذين وعوها، واهتدوا بهداها، قاعدة لها صلة بأحد أصول الإيمان العظيمة: ألا وهو (الإيمان بالقضاء والقدر)، وتلكم القاعدة هي قوله سبحانه وتعالى -في سورة البقرة في سياق الكلام على فرض الجهاد في سبيل الله تعالى-: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:٢١٦] . وهذا الخير المُجمَل، فسَّره قوله تعالى في سورة النساء -في سياق الحديث عن مفارقة النساء-: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ [النساء:١٩]. فقوله: ﴿خَيْرًا كَثِيرًا﴾ مفسِّر وموضِّح للخير الذي ذُكر في آية البقرة، وهي الآية الأولى التي استفتحنا بها هذا الحديث . #ومعنى القاعدة باختصار: ش والعكس صحيح: كم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على عكس ما يريد. إنك إذا تأملت الآيتين الكريمتين الأولى والثانية,وجدت أن الآية الأولى -التي تحدثت عن فرض الجهاد- تتحدث عن ألم بدني وجسميٌ قد يلحق المجاهدين في سبيل الله -كما هو الغالب-, وإذا تأملت الآية الثانية -وهي آية الإمساك مع الكراهة- وجدتها تتحدث عن ألم نفسي يلحق الزوج؛ بسبب إمساكه زوجه, وإبقاءها في عصمته,فلعلّ الله أن يرزقه منها بولد صالح, أو يعطف قلبه عليها بعد كرهه إياها, ولو بعد حين. وإذا تأملت في آية الجهاد؛ وجدتها تتحدث عن عبادة من العبادات، وإذا تأملت آية النساء؛ وجدتها تتحدث عن علاقات دنيوية. إذًا: فنحن أمام قاعدة تناولت أحوالًا شتى: دينية ودنيوية، وبدنية ونفسية، وهي أحوال لا يكاد ينفك عنها أحد في هذه الحياة التي: جبلت على كدر وأنت تريدها صفوًا من الأقذاء والأقذار وقول الله أبلغ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ﴾ [البلد:٤]. إذا تبين هذا فاعلم أن إعمال هذه القاعدة القرآنية في الحياة من أعظم ما يملأ القلب طمأنينة وراحةً، ومن أهم أسباب دفع القلق الذي عصف بحياة كثير من الناس؛ بسبب موقف من المواقف، أو بسبب قدر من الأقدار المؤلمة جرى عليه في يوم من الأيام! ولو قلبنا قصص القرآن، وصفحات التاريخ، أو نظرنا في الواقع؛ لوجدنا من ذلك عبرًا وشواهدَ كثيرة، لعلنا نُذَكِّر ببعض منها، عسى أن يكون في ذلك سلوةً لكل محزون، وعبرةً لكل مهموم: ١- قصة إلقاء أم موسى لولدها في البحر! فأنت إذا تأملتَ وجدتَ أنه لا أَكْرَه لأمِّ موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة في مستقبل الأيام، وهذا ما تعبر عنه خاتمة هذه القاعدة: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ . ٢- وتأمل في قصة يوسف عليه الصلاة والسلام تجد أن هذه الآية منطبقة تمام الانطباق على ما جرى له ولأبيه يعقوب عليهما الصلاة والسلام. ٣- وتأمل في قصة الغلام الذي قتله الخضر بأمر الله تعالى؛ فإنه علل قتله بقوله: ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف:٨٠-٨١]، لنقف هنا قليلًا ونتساءل: كم من إنسان لم يقدِّر الله تعالى أن يرزقه بالولد، فضاق لذلك صدره؟! -وهذا شيء طبعي- لكن الذي لا ينبغي أن يستمر: هو الحزن الدائم، والشعور بالحرمان الذي يقضي على بقية مشاريعه في الحياة! وليت من حُرِم نعمة الولد يتأمل هذه الآية، ليس ليذهب حزنه فقط، بل ليطمئن قلبه وينشرح صدره، وليته ينظر إلى هذا القَدَر بمنظار النعمة والرحمة، وأن الله تعالى قد يكون صرف هذه النعمة رحمةً به! وما يدريه؟ لعله إذا رُزق بولد أن يكون هذا الولد سببًا في شقاء والديه وتعاستهما، وتنغيص عيشهما! أو تشويه سمعتهما، ﴿وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا﴾ [الكهف:٨٠-٨١]. ٤- وفي مقدمات غزوة بدرٍ، يربي القرآن في أتباعه هذا المعنى، فيقول: ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُون يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ﴾ [الأنفال:٥-٦]، فكم كتب الله للمؤمنين من الخير والعزة والهيبة للمسلمين بعد هذه الغزوة، التي كره أصحاب النبي ﷺ فيها خيار القتال! ٥- وفي السُنة النبوية أمثلة كثيرة، منها: لما مات زوجُ أمِّ سلمة: أبو سلمة -رضي الله عنه- تقول أم سلمة -رضي الله عنها-: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها». قالت: فلما مات أبو سلمة، قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله ﷺ؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله ﷺ! فتأمل هذا الشعور الذي انتاب أم سلمة – وهو شعور ينتاب بعض النساء اللاتي يُبتلين بفقد أقوى من تربطهن به علاقة في هذه الحياة ولسان حالهن: ومن خير من أبي فلان؟! – فلما فعلتْ أم سلمة ما أمرها الشرع به من الصبر والاسترجاع وقول المأثور؛ أعقبها الله خيرًا لم تكن تحلم به. وهكذا المؤمنة يجب عليها أن لا تختصر سعادتها، أو تحصرها في باب واحد من أبواب الحياة، نعم: الحزن العارض هذا شيء لم يسلم منه ولا الأنبياء والمرسلون! إنما الذي لا ينبغي: هو اختصار الحياة أو السعادة في موقفٍ واحد، أو ربطها برجل أو امرأة، أو شيخٍ! ٦- وفي الواقع قصص كثيرة جدًّا، أذكر منها: أن رجلًا قدم إلى المطار، وكان مجهدًا بعض الشيء، فأخذته نومةٌ ترتب عليها أن أقلعت الطائرة، وفيها ركاب كثيرون يزيدون على ثلاثمائة راكب، فلما أفاق، وإذا بالطائرة قد أقلعت قبل قليل، وفاتته الرحلة، فضاق صدره، وندم ندمًا شديدًا، ولم تمض دقائق على هذه الحال التي هو عليها حتى أُعلن عن سقوط تلك الطائرة، واحتراق من فيها بالكامل! والسؤال: ألم يكن فوات الرحلة خيرًا لهذا الرجل؟! ولكن أين المعتبرون والمتعظون؟ والخلاصة: على المرء أن يسعى إلى الخير جهده وليس عليه أن تتم المقاصد وأن يتوكل على الله، ويبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة، فإذا وقع شيءٌ على خلاف ما يحب، فليتذكر هذه القاعدة القرآنية العظيمة: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. وليتذكر أن من لطف الله بعباده: «أنه يُقدِّر عليهم أنواع المصائب، وضروب المحن والابتلاء بالأمر والنهي الشاق رحمةً بهم ولطفًا، وسوقًا إلى كمالهم، وكمال نعيمهم» . ومن ألطاف الله العظيمة: أنه لم يجعل حياة الناس وسعادتهم مرتبطة ارتباطًا تامًا إلا به سبحانه وتعالى، وبقية الأشياء يمكن تعويضها، أو تعويض بعضها: من كل شيء إذا ضيعته عوضٌ وما من الله إن ضيعتهُ عوضُ اللهمّ أعنا على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك. |
|