نظراً لأن العيد هذه السنة سوف يأتي يوم الجمعة فأحببت أن أنقل لكم آراء الفقهاء في المسألة
الرأي الأول:
هو رأي جمهور الفقهاء، منهم الإمام أحمد في رواية عنه أن الجمعة لا تسقط ويجب صلاتها على الجميع.
واستدلوا على ذلك بما ياتي :
1. عموم الآية التي دلت على وجوب صلاة الجمعة، وكذلك الأحاديث التي دلت على ذلك دون تفصيل بين أن تكون في يوم عيد أو غيره.
2. إنهما صلاتان مستقلتان على القول بوجوب صلاة العيد فلم تسقط إحداهما بالأخرى كما لا تسقط صلاة الظهر بالعيد.
3. على رأي من يرى أنَّ صلاة العيد سنة مؤكدة فليس من المشروع قيام السنة مقام الفرض وهي الجمعة ولا تدمج معها، فإن الفرض لا يدمج بالفرض مطلقاً بل النفل يدمج في الفرض أحياناً على رأي من يرى الدمج.
الرأي الثاني:
سقوط حضور الجمعة عمن حضر صلاة العيد ما عدا الإمام فإنها لا تسقط عنه بل يجب عليه صلاتها إن حضر معه من تصح منهم الجمعة وإلا صلى الظهر، وعلى من سقطت عنه الجمعة أن يصلي الظهر، وهذا مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، والشعبي، والأوزاعي، والرواية الراجحة عند أحمد.
واستدلوا على ذلك بما يأتي :
1. بما روى إياس بن أبي رملة الشامي قال: شهدت معاوية يسأل زيد بن أبي أرقم: هل شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد، قال: نعم، قال: فكيف صنع، قال: صلى العيد ثم رخص فقال: {من أراد أن يصلي فليصلِّ} رواه أبو داود.
وفي لفظ للإمام أحمد {من شاء أن يُجَمِّع فليُجَمِّع}.
2. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: {اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزأه عن الجمعة وإنا لمُجَمِّعُون}.
رواه ابن ماجة والنسائي، وعن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما نحو ذلك، وهذا كفيل بتخصيص عموم أدلة وجوب الجمعة.
3. إن الجمعة زادت على الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد فأجزأ عن سماعها ثانياً.
4. إن وقتهما واحد عند البعض كالإمام أحمد -أي تصلى الجمعة قبل الزوال- فسقطت إحداهما بالأخرى كالجمعة مع الظهر.
5. أما قياس الجمهور في عدم سقوط الظهر بالعيد فمنقوض بالظهر مع الجمعة حيث تكفي عن الظهر.
ويجاب عن ذلك بما يأتي:
1. أما حديث إياس، فقد قال الحافظ ابن قيم الجوزية: "أخرجه ابن ماجة والحاكم من حديث أبي صالح وفي اسناده بقية، وصحح الدارقطني وغيره إرساله.
أما حديث زيد بن أرقم فقد أخرجه أيضاً الحاكم وصححه علي بن المديني وفي إسناده إياس بن أبي رملة، وهو مجهول".
ومع هذا فإنه نقل تصحيحه عن ابن خزيمة، وإذا تعارض التعديل والتجريح رجح التجريح.
2. وعلى القول بصحة الروايات فإن ما فعله عثمان -رضي الله عنه- يوضح المراد بالرخصة حيث قال: "من أراد من أهل العوالي أن يصلي معنا الجمعة فليصلِّ، ومن أحبَّ أن ينصرف فليفعل".
وذلك لأنَّ منازلهم بعيدة عن المسجد وأنَّ الجمعة لا تلزمهم، لكنهم لمَّا حضروا المدينة يوم الجمعة ظنوا أنّهم ملزمون بالبقاء لصلاة الجمعة، وأنَّ انصرافهم والعودة لها فيه عسر، وانتظارهم فيه ضيق، فأذن لهم بالانصراف وعدم العودة لصلاة الجمعة، فإطلاق الروايات التي استدل بها مخالفو الجمهور يقيدها قول عثمان -رضي الله عنه؛ لأنَّ هذا أمر لا يقبل الاجتهاد.
3. لو عنى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها ساقطة عن الجميع لما قال: {نحن مُجَمِّعُون} بصيغة الجمع، بل لقال: {وأنا مُجَمِّع} فيُفهم من ذلك أنها واجبة عليه وعليهم.
وفعلاً صَلَّى الجمعة وصَلَّى من حضر العيد ممن هو قريب من المسجد.
4. أما القول بأن الجمعة تمتاز عن الظهر بالخطبة وأنهم سمعوا خطبة العيد فحصلت فيها الكفاية: فنقول: إنَّ خطبة العيد سنة بالاتفاق، وخطبة الجمعة فرض بالاتفاق، فكيف تكفي السنة عن الفرض؟! ثم ما المانع أن يسمعوا في اليوم الواحد خطبتين وموعضتين؟!
ولو اجتمع في يوم واحد كسوف واستسقاء هل يكتفي بخطبة واحدة عن الأخرى؟! أو يخطب لكل خطبة مستقلة؟!.
5. وأما القول بأنَّ وقتهما واحد فهو رأي مرجوح لم يقل به الجمهور؛ لأنَّ صلاة الجمعة جاءت بدلاً من الظهر، والبدل يأخذ أحكام المبدل عنه، ومنه الوقت، فكما أنَّ الظهر لا تصح قبل الزوال فالجمعة كذلك، ومع هذا فإنَّ غياب الشفق الأحمر وقت للعشاء وللوتر، فهل يكفي إحداهما عن الآخر؟!.
6. أما قياس السقوط بالجمعة مع الظهر فقياس مع الفارق؛ لأنَّ الجمعة جائت عوضاً عن الظهر فلا يُجْمَع بين العِوَض مع المُعَوَّض عنه، والعيد ليست عوضا عن الجمعة.
7. أما نقضهم قياس الجمهور سقوط الظهر بالعيد بالظهر مع الجمعة فقد بينَّا أنَّ الجمعة لا تجتمع مع الظهر؛ لأنها عوض عنه بخلاف العيد مع الظهر.
8. إنَّ من قال باسقإطها مطلقاً -كالإمام أحمد- أوجب صلاة الجماعة على كل مكلف، وعلى هذا يجب على من لم يصلِّ الجمعة: صلاة الظهر جماعة، فما وجه التخفيف بالر خصة بترك الجمعة التي هي ركعتان مع وجوب صلاة الظهر أربع ركعات؟! غاية الأمر أنهم سقطت عنهم الخطبة فقط، فالمشقة حاصلة بالحضور لصلاة الظهر جماعة فما فائدة الإعفاء إذان؟!
الرأي الثالث:
-وهو قول عطاء- إنها تسقط عن الإمام أيضاً هي وصلاة الظهر، واستدل على ذلك بما فعله ابن الزبير من أنه جمع العيد والجمعة بركعتين بُكْرَةً ولم يزد عليهما إلى صلاة العصر وأيَّده ابن عباس حينما سمع ذلك وقال: أصاب السنة.
فيجاب عن هذا: بأنَّ ابن الزبير لم تصله رواية {وإنا لمُجَمِّعُون}.
ومع هذا فإنَّ هذا ليس دمجاً بل إنه صلى الجمعة قبل الزوال على رأي من يجوزها قبل الزوال وترك العيد اكتفاءً بالجمعة ولم يصلِّ العيد ليكتفي به عن الجمعة، ومع ذلك فقد ذكرنا مرجوحية صلاة الجمعة قبل الزوال.
وأخيراً أقول: إنَّ الرأي الأول هو الراجح؛ لما تقدم من استدلالات له ونقد لأدلة الرأيَين الآخرين، وإنَّ من أُعْفِيَ من صلاة الجمعة هم أهل العوالي وهم من يسكنون بأطراف المدينة بعيدون عن مركزها فإنهم لا تجب عليهم الجمعة، وعندما حضروا صلاة العيد ظنوا أنَّ الجمعة قد وجبت عليهم فأعفاهم عن صلاتها لعدم وجوبها عليهم ولو حضروا موضعها، وعلى فرض صحة ما ورد فيهما فأيهما الأقرب إلى مرضاة الله تعالى وأيهما الأحوط في عبادة الله تعالى؟!.
ثم أقول: ما هي الخدمة التي يقدمها من يبث هذا الوعي في ترك الجمعة للدعوة أو للمسلمين في مثل هذه الظروف الحالكة التي هم بأمس الحاجة إلى المزيد من الرجوع إلى الله والإكثار من العبادة والعمل بما هو أحوط وأورع؟!.
أما كسل الأخوة الخطباء عن إعادة الخطبة فنقول لهم: إن أعفيتم الناس عن الصلاة فأنتم ملزمون بها فما الحكمة من هذه الحملة التي لا تخدمك ولا تخدم المسلمين شيئاً؟
والرأي الراجح هو الرأي الأول والله أعلم!.