خطبة التحذير من اكل اموال التاس بالباطل
الجمعة:3صفر1432
جامع عبد الله بن عباس حماه
التحذير من اكل اموال التاس بالباطل الشيخ سمير الابراهيم
الحمد لله الذي تتم بحمده الصالحات وتتفجر بذكره الكلمات وأشهد أن لا إله إلا الله غافر الخطيئات وأشهد أن سيدنا محمدا” عبده ورسوله سلم الرقيات ومنبع الكمالات وباب الهدايات وبحر العطيات من أطاعه أطاع الله ومن عصاه فقد عصا الله والصلاة والسلام على بدر التمام ومسك الختام سيدنا محمد ابن عبد الله الأمر بأمر الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
عباد الله اتقوا الله وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه وأطيعوا رسوله ومصطفاه فهو النجاة وهو الحجة يوم لا ينفع مال ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم
أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله تعالى وراقبوه واعلموا أن الله طيب لايقبل إلا طيباً من النيات والأقوال والأحوال والأعمال وإن الطيب من الأموال ما اكتسبه الإنسان من طريق الحلال ثم أنفقه فيما يرضي الله أما المال المكتسب من حرام فليس بطيب فلا يقبله الله، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم وإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لايحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه لا والذي نفسي بيده لايسلم أو لايسلم عبد حتى يسلم أو يسلم قلبه ولسانه ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه قالوا: وما بوائقه؟ قال: غشمه وظلمه ولا يكسب عبد مالاً حراماً فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق فيبارك فيه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحوا السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن إن الخبيث لا يمحو الخبيث)).
أيها المسلمون: في هذا الحديث موعظة بليغة وعبرة للمعتبر وهي أن الدنيا يعطيها الله للمؤمنين والكفار والبررة والفجار ولكن الدين والإستقامة على أمر الله لا يعطيه الله إلا من يحب، فهذا ميزان بين يديك أيها المسلم لتعلم أن الله يحبك أم لا وكذلك يدل الحديث على أن كسب الحرام خسارة عظيمة لا ربح فيها للعبد أبداً لأنه إن تصدق من الحرام فلا يقبل وإن أنفق لم يبارك له فيه وإن خلفه بعده لورثته كان زاده إلى النار إن اكتساب المال من طريق حرام طريق إلى النار قال : ((وأيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به)) فمن اكتسب المال بالغش أو بالكذب أو بالربا أو بالدعوى الباطلة فعليه الوعيد الشديد قال : ((من غشنا فليس منا)) وقال : ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ثلاثاً، قال أبو ذر: خابوا وخسروا يا رسول الله من هم؟ فقال: المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف والكذب)) [مسلم]. و((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء))، وقال : ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)) وقال : ((من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه لقي الله وهو عليه غضبان)).
عباد الله: ألا ما أعظم الظلم وما أقبح عاقبته في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فسيذوق الظالم الحسرة وسوء الحال ومرارة الظلم وأما في الآخرة فالنار الحامية ما للظالمين من نصير، قال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) كما أن دعوة المظلوم لا ترد فيرفعها الله فوق الغمام ويقول: لأنصرنك ولو بعد حين، أخي المسلم لا تتهاون في حق أخيك ولو كان قرشاً واحداً فما الذي يبيح لك ماله؟ وما الذي يبيح لك حقه إذا ائتمنك عليه؟ وما الذي يبيح لك التهاون أو الغش في عمل ستأخذ عليه الأجر كاملاً؟ قال : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه))، لقد عظم التكالب على الدنيا وجمع حطامها الفاني فمن أجلها يحلف المسلم كاذباً ويغش ويظلم ويحتال ويرابي والعياذ بالله وهذا نقص في الدين والعقل وإلا فإن الرزق بيد الله والرزق الذي قسمه الله لك سيأتيك فلماذا تأخذه بطريق الحرام؟ وفي السماء رزقكم وما توعدون ، وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها .
أيها المسلمون: لقد وجد في هذا الزمان من يفرح إذا أخذ أو ظفر بحق أخيه واعتبر ذلك ذكاءً ودهاءً وقوة فليس المهم أن هذا المال حرام أو حلال ولكن المهم عنده أنه حصل عليه فلقد قل خوف الله عند كثير من الناس ونسوا وعيد الله ونسوا دعاء المظلومين وعذاب قلوبهم المتجهة إلى ربها ترفع أكف الضراعة إلى الله ليأخذ حقها وينتقم ممن ظلمها، ومن الناس من يتساهل في أمر الدين أو السلف فيقترضه ويماطل في تسديده أو ينكره أو يتناساه وليعلم من كان كذلك أن روح المسلم معلقة بدينه إذا مات حتى يقضى عنه وقد قدمت جنازة إلى رسول الله ليصلي عليها فقال : ((هل عليه دين؟ فقالوا: ديناران، فقال صلوا على صاحبكم ورفض أن يصلي عليه، فضمن أبو قتادة الدينارين فصلى عليه الرسول وقال: الآن بردت جلدته))، وقال : ((من أخذ أموال الناس يريد أدائها أدى الله عنه ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله))، وقال : ((مطل الغني ظلم)) وفي رواية ((وإذا أتبع أحيل أحدكم على مليئ فليتبع))، وقال : ((لي الواجد يحل عقوبته وعرضه)) وعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر))، عباد الله لقد كثرت في المحاكم الخصومات والقضايا والمشكلات بسبب المظالم ومن الناس من يعلم أنه هو الظالم ويريد الانتصار على خصمه وأخذ حقه وربما غلب بالحجة وقضى له القاضي بمال أخيه على نحو ما ظهر له، فلا يظن أحد أن حكم القاضي يحل الحرام أو يحرم الحلال لأن القاضي ليس له إلا الظاهر بما يسمع من الخصمين وأما الباطن فهو إلى الله هو الذي يحكم به يوم تبلى السرائر ولا يوجد في ذلك اليوم للظالم من قوة ولا ناصر قال : ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار)). وقال : ((لكل غادر لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: قال الله تعالى: ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطي بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره))، أيها الناس إن الواجب على كل مسلم أن يخاف الله ويرعى حدوده وأوامره وألا يغتر بعمل فلان أو فلان أو يغتر بما عليه أكثر الناس اليوم وأن نتذكر الحساب وأنه لايخفى على الله شيء في الأرض ولا في السماء فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره وقد تخاصم رجلان عند النبي في أرض فقال للمدعي: ((ألك بينة؟ قال: لا، قال: فلك يمينه، فقال: يا رسول الله إن الرجل فاجر ولا يبالي على ما حلف عليه؟ فقال النبي : ليس لك منه إلا يمينه فلما أراد أن يحلف قال النبي : لئن حلف على مال ليأكله ظلماً ليلقين الله وهو عنه معرض فأدرك الرجل مخافة الله فرد أرضه)) اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك واغننا بفضلك عمن سواك واجعل لنا من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا اللهم ارزقنا خوفك ورجائك وانزع حب الدنيا من قلوبنا واجعلنا أغنى خلقك بك وأفقر عبادك إليك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم .