المبحث الثالث : أهم أخطاء الآباء على الأبناء :
لقد حاولت أن التقي بعدد لا بأس فيه من الآباء حيث جلست معهم وحاورتهم في هذا الموضوع , وكنت أطلب من كل واحد منهم أن يذكر لي خمسة أخطاء مؤثرة تأثيراَ سلبياً على أولاده وقع فيها ، وندم ندماً كبيراً عليها , ويتمنى ألا يكررها , وكان نتيجة هذه اللقاءات استنتاج أهم الأخطاء الأبوية على الأبناء ، وهي على النحو الأتي :
الخطأ الأول - السلطة الأبوية وسوء استعمالها :
من خلال الاطلاع على هذا الموضوع وجدت أن سوء استعمال السلطة الأبوية تكمن بممارسة الوالدين للأساليب التقليدية القديمة التي مورست عليهم نفسها , كما اتبعوا أيضاَ الطرق التربوية القديمة ذاتها مع أبنائهم , وهي الأساليب والطرق نفسها التي كانت تمارس عليهم عندما كانوا أبناءً , بل أقول : هي نفسها تلك الأساليب و الطرق التي كانوا ينبذونها وينتقدونها , وينكرونها على أبائهم , وأخيراً أقصد مما تقدم أن الآباء والأمهات يطبقون المورثات الأسرية التي تتحكم بالمجتمع ، وتضربه ضرراً سلبياً ، وبالتالي يقع الأبناء فريسة لمثل هذه الأخطاء القاتلة , ومن أهم مظاهر سوء استعمال السلطة الأبوية هي :
1- التميز وعدم المساواة بين الذكور والإناث : هناك بعض الآباء يميزون بين الذكر والأنثى في المعاملة ، ويحاولون إخفاء هذا التميز أو يظهرونه , فيقدمون الصبي في كثير من الأمور على الأنثى , كتفضيله في التعليم , والمحبة ، والعطف والحنان ، وغير ذلك من المعاملة المتميزة , حتى في الأفراح يقدمون الولد على البنت بحيث نرى الأب والأم يحتفلون ويسمرون إذا كان العرس للولد , ويحجبون عن حضور الفرح في عرس البنت ، وإذا ما سألتهم لماذا هذا التميز يقولون , هو العرف , حتى ولو كان هذا العرف فيه ظلم للبنت . إذن تُظلم البنت على حساب الولد على أساس مورث العرف المدمر ، والذي يؤدي إلى وقوع الوالدين في خطأ قاتل تجاه أبنائهم ، فهذا التميز بين الذكور والإناث خطأ قاتل ، ولو كان هذا التميز في صغائر الأمور كنظرة متميزة أو لمسة حنان متحيزة بسيطة , أو ابتسامة دفينة , فهذه تعطي رسائل قاتلة ومدمرة يفهمها جيداً الأذكياء الصغار , ويفسرونها بمنظار رؤيتهم وسماتهم الشخصية التي أهمها حب الذات .
فالإسلام ضد هذا التميز المؤثر في تربية الأطفال ، بل نجد أن الإسلام يدعو إلى المساواة المطلقة ، والعدل الشامل ، وبدعوته هذه لم يفرق في المعاملة الرحيمة ، والعطف الأبوي بين الرجل والمرأة ، أو بين الصبي والبنت تحقيقاً لقوله تبارك وتعالى : (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ )(10) ، وعلى ضوء هذا النص القرآني حقق الآباء في أولادهم عبر العصور والتاريخ مبدأ العدل والمساواة في المحبة والمعاملة الحسنة ، والنظرة الحانية ، والملاطفة الرحيمة دون أن يكون بين الذكور والإناث أي تميز، أو تفريق ، وإذا وجد في المجتمع الإسلامي آباء ينظرون إلى البنت نظرة تمييز عن الولد فالسبب في هذا يعود إلى البيئة الفاسدة التي رضعوا منها أعرافا ما أنزل الله بها من سلطان، بل أقول هي أعراف جاهلية محضة،وتقاليد اجتماعية بغيضة يتصل عهدها بالعصر الجاهلي .
2- الرسميات الزائدة : نعم هناك بعض الآباء يلتزمون المواقف الرسمية مع أبنائهم في كل صغيرة وكبيرة ، ويسلكون معهم الطرق الحوارية التقليدية البعيدة عن روح التربية ، ، ويحاولون ألا يستمعوا ولا يتحدثوا إليهم ، وإذا تحدث الأبناء معهم لا يسمعون لحديثهم ، وإذا سمعوا لهم فلا بد من أن يلتزم الابن ببعض الوضعيات الرسمية أمام الأب كأن يقف بعد أن كان جالساً إذا ما أراد الكلام ، وأن يكون مطأطأ الرأس مغمض العينين منكسر الجناح خافت الصوت ، بالإضافة إلى تقريعه وتوبيخه ببعض الكلمات التهكمية كقوله لابنه : ( أخرس وتكلم باحترام )( يكفيك فلسفة ) (كبرت وبدأت تتشدق ) ( نطق الحمار ) ، ونحو ذلك من الكلمات التهكمية ، وهكذا يجد الولد نفسه مكبلاً في كم من الرسميات ، وتطبيق الأوامر الأبوية من غير اعتراض أو نقد أو حوار . فأمام كل هذه القيود والرسميات نجد الولد ، يعيش في ظل الأوامر القسرية المؤدية إلى التوبيخ تارة ، وتارة أخرى إلى الخروج عن المألوف وإتباع السلوك غير الأخلاقي من عصيان وتذمر وتشاحن مما يؤدي إلى خسارة الأب لابنه وخاصة في سن المراهقة والبلوغ .
3- الانغلاق البيئي والثقافي والاجتماعي:(11) :
والانغلاق البيئي يتمثل في توارث الأسرة قِيَماً، أو أعرافاً خاصةً بها ، وبالتالي لا تستطيع التخلي عنها قيد أنملة بدعوى هذه المقولة ( عائلتنا محافظة ) ، وتعيش الأسرة داخل شرنقتها التي صنعتها بأيديها بحجة . ( على هذا تربينا وترعرعنا ، وبهذا نجحنا وحافظنا على مسارنا وموقعنا الاجتماعي ) .
وأما الانغلاق الثقافي هو : انغلاق الأب على ثقافة معتادة متهالكة ، ولا يجد الحافز ، أو الدافع لقراءة الأساليب الجديدة في التربية وفي فن التعامل مع الأبناء ، فإذا نبهتهما إلى أهمية الثقافة التربوية في فن الاستثمار في الأبناء ، أو دعوتهم لحضور دورة في مهارة التعاون مع الأبناء صداك بقولهما : ( لا تفلسفوها ولا تعقدوها بل اتركوها ) .
والانغلاق الاجتماعي هو تمسك الوالد بواقعه مع إنكار وتجاهل الواقع الذي يعيشه ابنه ، كما أنه يجهل الظروف التي تحيط بالأبناء ، ولا يراعي المتغيرات المستمرة في الزمان والمكان والأجيال ، ولم يعمل بما قاله الإمام علي كرم الله وجهه : ( أدًبوا أولادكم بآداب غير آدابكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم )(12) .
الخطأ الثاني – الغفلة الأبوية وضعف الصلة بين الوالد وولده :
الغفلة الأبوية نوع من أنواع اليُتم , الذي أوجدته هذه الغفلة المتأتية من ابتعاد الوالدين عن أبنائهم بالمشاغل والملاهي , والانغماس في الأعمال التجارية وأسفارهم القريبة والبعيدة , ورحلاتهم وسهراتهم الطويلة , وترك الطفل للخادمة لانهماك الأم بالوظيفة وارتياد الأسواق والتقلب بين الأزياء والموضة , لذلك إذا ما