زيد الخير
الحمد لله الهادي الكريم ذي المن القديم، وأزكى الصلاة على النبي العظيم وعلى سائر المرسلين مع أزكى التسليم.
يقول الله تبارك وتعالى: { مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} (سورة الأحزاب /ءاية23)
لما بلغت أخبار النبي عليه الصلاة والسلام سمع زيد الخيل – وكان هذا اسمه قبل أن يسميه النبي زيدَ الخير – ووقف على شيء مما يدعو إليه الإسلام من توحيد الله سبحانه تعالى.
أعد راحلته، ودعا الكبراء من قومه إلى زيارة يثرب، المدينة المنورة، ولقاء النبي صلى الله عليه وسلم، فركب معه وفد كبير من طيء، وفيهم زر بن سدوس، ومالك بن جبير، وعامر بن جزين، وغيرهم من كبار قوه، فلما بلغوا المدينة توجهوا إلى السمجد النبوي الشريف وأناخوا ركائبهم ببابه، وصادف عند دخولهم أن كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يخطب بالمسلمين من فوق المنبر، فراعَهم كلامه وأدهشهم تعلق المسلمين به، وإنصاتهم له، وتأثرهم بما قول.
ووقع كلام الرسول صلوات الله وسلامه عليه في نفس زيد الخير بن المهلهل ومن معه من كبار قومه موقعين مختلفين.
فبعض استجاب للحق وأقبل عليه، وبعض تولى عنه واستكبر عليه.
أما ((زر بن سدوس)) فما كاد يرى رسول الله صلوات الله سلامه عيله في موقفه الرائع تحفه القلوب المؤمنة، وتحوطه العيون، حتى دبّ الحسد في قلبه، وملأ الخوف فؤاده، ثم قال لمن معه: "إني لأرى رجلا ليملكنّ رقاب العرب، والله لا أجعلهن يملك رقبتي أبدًا."
ثم توجّه إلى بلاد الشام وحلق رأسه وتنصّر.
وأما زيد الخير ومن معه فقد كان لهم شأن ءاخر، فما ان انتهى الرسول صلوات الله وسلامه عليه من خطبته حتى قف زيد بن جموع المسلمين وكان من أجمل الرجال واطولهم قامة، وقف بقامته الممشوقة ونادى قائلا: "يا محمد، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله"، فأقبل عليه الرسول الكريم وقال له: "من أنت؟" قال: "أنا زيد الخيل بن مهلهل"، فقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه: "لا، بل أنت زيد الخير، لا زيد الخيل، الحمد لله الذي جاء بك، ورقّق قلبك للإسلام". فعُرف بعد ذلك بزيد الخير.
ثم التفت الى النبي صلى الله عليه سلم وقال: "أعطني يا رسول الله ثلاثمائة فارس، وأنا كفيل لك بأن أغير بهم على بلاد الروم وأنال منهم".! فأكبر الرسول الكريم همّته هذه، وقال له لله درّك يا زيد، أي رجل أنت؟!" ثم أسلم مع زيد الخير جميع من صحبه من قوم.
ولما همّ زيد بالرجوع هو ومن معه إلى ديارهم في نجد، ودّعه النبي صلوات الله وسلامه عليه وقال: "أي رجل هذا؟! كم سيكون له من الشأن لو سلِم من وباء المدينة" وكانت المدينة ءانذاك موبوءة بوباء الحمى، فما أن بارحها زيد الخير حتى أصابته.
ثم تابع زيد الخير مسيره نحو ديار أهله في نجد، على الرغم من أنّ وطأة الحُمى تشتدّ عليه ساعة بعد اخرى، فقد كان يتمنى أن يلقى قومه، وأن يكتب الله لهم الإسلام على يده، ولكنّ المنيّة ما لبثت أن سبقته، فلفظ أنفاسه الأخيرة في طريقه.
رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه وحشرنا في زمرته مع الأنبياء والصديقين والشهداء.