الخطأ الثالث – سوء معاملة الآباء للأبناء:
إن بعض الآباء يتعاملون مع أبنائهم معاملة سيئة وقاسية أحياناً تكون بضرب الأبناء ضرباً شديداً , مع التوبيخ القارع , واستعمال أسلوب التحقير والازدراء والتشهير والاستهزاء , كل هذا التعامل السيئ مع الولد يجعله يسلك مسالك خاطئة , وينحرف عن الطريق المستقيم ويختار طريق الإجرام ، والخروج عن طاعة والدية , وترك منزله للتخلص مما يلاقيه من أبوية من قسوة ظالمة ومعاملة غير سوية . ومن هنا أجمع علماء التربية والإرشاد النفسي على أن الولد إذا عُومل من قبل أبوية المعاملة القاسية , وأُدب من قبلهم بالضرب الشديد ،والتوبيخ ، والتحقير والازدراء , والتشهير والسخرية , فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخُلقه , وإن ظاهرة الخوف والانكماش ستبدو في تصرفاته وأفعاله ,وقد يؤول به الأمر إلى الانتحار حيناً , أو إلى مقاتلة أبويه أحياناً , أو إلى ترك البيت نهائياً تخلصاً مما يعانيه من القسوة الظالمة والمعاملة الأليمة . فلا عجب وهذه حاله أن نراه أصبح في المجتمع مجرماً , وفي حياته شاذاً ومنحرفاً , ولا عجب أن ينشأ على الاعوجاج والميوعة والانحلال(13) .
أما موقف الإسلام من ذلك, نجد أن إرشاداته وتعاليمه الخالدة. يأمر كل من كان في عنقه مسؤولية التوجيه والإرشاد والتربية , ولاسيما الآباء والأمهات منهم , يأمرهم جميعاً أن يتحلوا بالأخلاق العالية , والملاطفة الرضية , والمعاملة الرحيمة , حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة , ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية , وبالتالي يشعروا أنهم ذو تقدير واحترام وكرامة , ومن توجيهات الإسلام قوله تعالى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(14) ، وقوله سبحانه وتعالى : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(15) ، وقوله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)(16) ، وأخرج أحمد في مسنده : ( إن أراد الله تعالى بأهل بيت خيراً ، عليهم الرفق , وإن الرفق لو كان خُلقاً لما رأى الناس خُلقاً أحسن منه ، وإن العنف لو كان خُلقاً لما رأى الناس خُلقاً أقبح منه )(17) , وروى أبو داود والترمذي عنه عليه الصلاة والسلام الراحمون يرحمهم الرحمن , أرحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)(18) ، وفي رواية ثانية أرحموا أهل الأرض يرحمكم من في السماء .
من خلال هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية تتجلى أهم التوجيهات في لين الجانب , وحسن القول , وفضيلة المعاملة ، فما على الآباء والأمهات إلا أن يأخذوا بها ، وينفذوا ما جاء فيها , ويعملوا بمقتضى هديها وإرشادها إن أرادوا لأبنائهم الحياة السعيدة , والاستقامة الدائمة , والخُلق الاجتماعي النبيل ، ولكن إذا سلكوا معهم الطرق الملتوية ، والمعاملة القاسية الشديدة , ومعاقبتهم بالعقوبات الظالمة , فيكونون قد جنوا على أولادهم حين يقذفون بهم إلى الحياة في جو هذه التربية الخاطئة والتوجيه الملتوي الذميم , بل يرون حتماً انحرافهم أو عقوقهم أو تمردهم , لأنهم هم الذين غرسوا في نفوسهم وهم صغار بذور هذا الانحراف أو العقوق أو التمرد . وخير مثال على ذلك ما حدث مع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : ( جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه : يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر الولد ونبهه على عقوقه لأبيه , ونسيانه لحقوقه, فقال الولد : يا أمير المؤمنين أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى , قال :فما هي يا أمير المؤمنين , قال عمر رضي الله عنه : أن ينتقي أمه , ويحسن اسمه , ويعلمه الكتاب , قال الولد : يا أمير المؤمنين إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك , أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سماني جعلاً ( أي : خنفساء ) , ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً . فلتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت إلي تشكو عقوق ابنك , وقد عققته قبل أن يعقك , وأسأت إليه قبل أن يسئ إليك )(19) ،وهكذا حمَل عمر بن الخطاب رضي الهً عنه الرجل حين أهمل تربية ابنه مسؤولية عقوق ولده له .
ومما يذكر في كتب السيرة : أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه غضب على ابنه زيد مرة فأرسل إلى الأحنف بن قيس يسأله عن رأيه في البنين فقال : ( هم ثمار قلوبنا , وعماد ظهورنا , ونحن لهم أرض ذليلة , وسماء ظليلة , فإن طلبوا فأعطهم , وإن غضبوا فأرضهم فإنهم يمنحونك ودهم , ويِحبونك جهدهم , ولاتكن عليهم ثقيلاً فيملَوا حياتك , ويتمنوا وفاتك )(20) . فليتعظ الآباء ، والأمهات مما تقدم من أدلة وقصص في هذه المسألة ، ويعتبرون ويتعظون ، ويعملوا على ملاطفة أولادهم ، ويحسنون معاملتهم ، ويرفقون بهم ، ويتبعون الطرق القويمة في تربيتهم وإرشادهم وتوجيههم .