إلهي ما أقربك مني وما أبعدني عنك وما أرأفك بي فما الذي يحجبني عنك
قلت قرب الحق من العبد قرب رحمة واجتباء وتقريب واصطفاء هذا في حق الخواص وفي حق العوام هو قرب إحاطة وقدرة وعلم ومشيئة وتصريف وقهرية والمراد هنا هو الأول فأن بعد العبد من ربه إنما هو بسوء أدبه وإلا فالحق تعالى قريب من كل شئ محيط بكل شئ ليس شئ أقرب إليه من شئ ولا شيء أبعد إليه من شيء وما بعد العبد من ربه إلا وهمه وسوء فعله ولذلك قال الشيخ تواضعاً وأدباً إلهي ما أقربك مني بلطفك ورأفتك وعملك واحاطتك وما أبعدني عنك بوهمي وسوء أدبي أو ما أقربك مني بأوصاف الربوبية وما أبعدني عنك بأوصاف العبودية فأوصاف الربوبية رفيعة القدر عظيمة الشأن وأوصاف العبودية خسيسة القدر دنيئة المقدار فلا مناسبة بينهما في القدر مع تلازمهما في المحل بتحقيق الوحدة فهما متلازمان في القيام متضادان في الأحكام والرأفة شدة الرحمة والعطف وذلك يقتضي شدة القرب والوصال وينفي وجود السوية والانفصال وهو الحجاب ولذلك تعجب الشيخ من وجود الحجاب بينه وبين مولاه مع شدة رحمته له وحباه إذ من تعطف عليك وآواك لا يمكن أن تلفت عنه إلى سواه وفي الحكمة مكتوب يا عبدي قد أسجدت لك الكون بي فيه الملك وأملاكه والملكوت وأملاكه فأنت أنا بما أيدتك وأنا أنت بما قلدتك فعش للأبد فمقامك لا يزاحمك فيه أحد يا عبدي خرقت لك الحجاب وفتحت لك الباب وأظهرت لك الأمر العجاب فابلغ قومك اللباب ولو قالوا ساحراً أو كذاب فأنا قد وهبتك الأخلاق فدعهم يقولون أن هذا إلا اختلاق يا عبدي قد جعلتك تقول للشيء كن فيكون وما عليك أن قالوا ساحر أو مجنون أنت تشرب من رحيق الكوثر وهم يقولون أن هذا إلا سحر يؤثر عرجت بسرك إلى السماء وعلمتك خصائص الأسماء فأنت أمين خزائن التحقيق الدال لجمع الخلق على الطريق يا عبدي من طعن في الوزير وسفه أمره فقد رد أمر الأمير وجهل قدره من أطاع الرسول فقد أطاع الله اه فالله تعالى بجوده وفضله إذا اصطفى عبداً من عباده قربه بفضله واجتباه لحضرة قدسه وصفاه من كثائف طبعه وحمى شخصه من رعونات نفسه فيصير من أهل قربه قد ارتفع الحجاب عن عين قلبه فزجت روحه في بحار الأحدية وغاب سره في سبحات الألوهية فأن كان ممن أريد الاقتداء به رد إلى شهود سر وجوده وقد كحلت عين قلبه بسرا الحقيقة وكسيت ذاته وجودا معاراً عليها وهو وجود الحق المفاض على جميع الممكنات فيرى ذاته المتوهمة كسارب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده هنالك يصير العبد بالله ولله أمره بأمر الله حيث لم يبق فيه شائبة لسواه ولا شيء يحجبه عن الله فهذا الذي أحبه مولاه وصطفاه لخضرة قدسه واجتباه لمناجاته وأنسه فكان سمعه وبصره وناصره وحافظة في متقلبه ومثواه هناك يصير عارف به في كل حال وخصوصاً عند اختلاف الأحوال كما أشار لي ذلك في المناجاة العاشرة فقال