خطبة جمعة عادية : بتاريخ 10/ 09/ 2004 : مضار التدخين ، لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ، سيد الخلق و البشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله ، وأصحابه الطيبين الطاهرين ، أمناء دعوته ، وقادة ألويته ، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علَّمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علِّمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ، بمناسبة أسبوع مكافحة التدخين أسوق لكم هذا الموضوع .
أيها الإخوة الكرام ، إن شركات الدخان تنتج دخينتين يومياً لكل إنسان على وجه الأرض ، وعدد سكان الأرض ستة آلاف مليون ، يعني اثني عشر ألف مليون دخينة تنتج كل يوم ، هذه الكميات الفلكية التي تنتجها شركات الدخان فيها مواد سامة لو أخذت في الدم دفعة واحد لاستطاعت أن تبيد الجنس البشري بأكمله ، هذا التقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية ، لو أخذت المواد السامة في هذه السجائر دفعة واحدة بعد استخلاصها ، وأخذت في الوريد مباشرة فهي كفيلة أن تقتل إنساناً في أوج صحته ، ما يدخنه الإنسان لو استخلصت هذه المواد السامة ، وحقنت في وريده لمات فوراً .
الذين يلقون حتفهم أو يعيشون حياةً تعيسة من جراء التدخين يفوق عدد الذين يلاقون حتفهم من الطاعون والكوليرا والجدري والسل والجذام والتيفويد مجتمعين ، والوفيات الناجمة عن التدخين هي أكثر بكثير من جميع الوفيات للأمراض الوبائية مجتمعةً .
هذه فقرة من تقرير منظمة الصحة العالمية ، وهي منظمة علمية كتاباتها وإحصاءاتها موضع ثقة .
شيء آخر ، أيها الإخوة الكرام ، إن مجموع الدخل الذي تحققه الدول الكبرى من جراء الضرائب الباهظة على إنتاج التدخين هو أقل بكثير من الأموال التي تنفق لمعالجة الأمراض الناتجة عن التدخين ، إن بين كل ثلاثة مدخنين يلقى أحدهم حتفه بسبب التدخين ، وتواجه الدول العظمى الأوبئة بقلق شديد ، فلو انتشرت الكوليرا في بلد لخف المسئولون عن الصحة لمواجهة هذا المرض ، واستنفروا ، ولكن قد يعجب الإنسان لماذا لا يواجهون أخطار التدخين بهذا القلق نفسه ؟
الآثار المدمرة للتدخين لا تظهر بشكل واضح إلا بعد ربع قرن ، وهنا الخطر ، فإن الآثار المدمرة للمدخن تظهر بعد خمسة وعشرين عاماً .
أيها الإخوة الكرام ، بحسب الإحصاءات العلمية : إن الدخينة الواحدة تقصر عمر الإنسان بقدر تدخينها ، فالإنسان لا بحسب اعتقادنا أن أجله لا يزيد ولا ينقص ، ولكن بحسب التقارير العلمية أن التدخين يقلِّل من عمر الإنسان من خمسة عشر عاماً إلى عشرين عاماً ، فيما لو لم يدخن بما تعطيه المؤشرات العلمية .
أيها الإخوة الكرام ، هذا الموضوع طرح سابقاً ، ولكن الشيء الجديد في هذه الخطبة التدخين السلبي ، أو التدخين غير الإرادي ، هؤلاء الناس الذين لا يدخنون ، ولكنهم يتعرضون بشكل يومي للغازات والمواد المنبعثة من تدخين السجائر من زملائهم في العمل ، أو الأولاد من أبيهم ، أو الزوجة من زوجها ، أو الأولاد من أمهم ، هؤلاء جميعاً لا يدخنون، ولكنهم ينضوون تحت مصطلح اسمه المدخن السلبي ، هنا المشكلة .
أيها الإخوة الكرام ، هذه السجائر تحتوي على أربعة آلاف مادة كيماوية على شكل غازات، ومواد معظمها سام ، ومضر بالصحة العامة ، من نتائج التدخين السلبي الذي لا إرادة له بالتدخين إلا أنه ابن في بيت الأب يدخن ، أو ابن في بيت الأم تدخن ، أو موظف في دائرة أحد زملائه يدخن ، هذا الذي لا يدخن ، ولا يريد أن يدخن تظهر على صحته آثار قد لا تصدق ز
منها أن التدخين السلبي أيها الإخوة الكرام يسبب الربو ، فشركاء المدخنين وجلساؤهم يكونون معرضين بنسبة خمسة أضعاف المعدل الاعتيادي للإصابة بالربو بفعل مضار التدخين السلبي ، والربو الآن شائع جداً ، ولا سيما ربو الأطفال ، وأحد أسبابه تدخين الأب في البيت، كما أن الذين يتعرضون لآثار التدخين من زملائهم في العمل يقعون في أمراض هي ضعف الأمراض التي يقع فيها من لا يدخن تدخيناً سلبياً .
شيء آخر أيها الإخوة الكرام ، التدخين السلبي له علاقة بضيق النفس الليلي ، وهذه دراسة تم إجراؤها في بلد متقدم ، فقد خضع ثمانية آلاف شخص من ثلاثة عشر بلداً إلى فحص دقيق لنجد آثار التدخين السلبي على صحتهم ، فكان من أبرز هذه الأسباب ضيق النفس الليلي ، وضيق النفس الذي يتبع أيّ جهد عضلي ، وهذا أيضاً أيها الإخوة الكرام من آثار التدخين السلبي ، ضيق تنفس الليلي ، وضيق التنفس على أثر جهد عضلي ، وهناك دراسة أيها الإخوة الكرام تربط بين التدخين السلبي وبين أمراض القلب ، فاحتمالات الإصابة بأمراض القلب هي ضعف احتمالات الإصابة لغير الذين يتأثرون بالتدخين السلبي .
الحديث الآن عن التدخين السلبي ، هذا الذي لا يدخن ، لكنه طفل في أسرة الأب يدخن ، أو طفل في أسرة الأم تدخن ، أو زميل في مكان الزميل يدخن ، إذا كان هذا أثر التدخين فيمن لا يدخن ، لكنه يجاور من يدخن فكيف أثره فيمن يدخن ؟
أيها الإخوة الكرام ، بحوث أخرى أشارت إلى أن التدخين السلبي يمكن أن يضر بقدرة المرأة على الإنجاب ، وكشفت دراسة رصينة أجرتها جامعة على ثمانية آلاف وخمسمئة من الأزواج الذين تعرضوا للتدخين السلبي في أثناء العمل ، فكانت هناك نسبة كبيرة من النساء كن أقلَّ قدرة على الإنجاب من اللواتي لم يتعرضن إلى التدخين السلبي .
وشيء آخر أيها الإخوة الكرام ، هو أن التدخين السلبي يضعف ذكاء الطفل ، وقام باحثون في مركز طبي تابع لمستشفى في إحدى الولايات في أمريكا ، وقال هذا التقرير : إن الأطفال المعرضين لدخان السجائر حتى ولو بكميات قليلة يعانون من انخفاض القدرات الذهنية والإدراكية ، وقد أشار هؤلاء إلى الدراسة التي أجريت على أكثر من أربعة آلاف طفل ، ونشرتها مجلة رصينة ، إلا أن هذا الأثر واضح جداً على الأطفال الذين يعانون من التدخين السلبي ، والتدخين السلبي أيضاً يزيد من خطر إصابة الأطفال بالتهابات الأذن .
أيها الإخوة الكرام ، هذا أثر التدخين فيمن لم يدخن ، فكيف فيمن يدخن ؟ والإنسان حينما يبتلى بالتدخين ، وحينما تضعف إرادته عن أن يقلع عنه ألا يرحم زوجته ؟ ألا يرحم أولاده ؟ ألا يرحم من يلوذ به ؟ والصحة تأتي في الأهمية بعد الهداية ، فأول نعمة على الإطلاق أن تعرف الله ، وأن تعرف منهجه ، وأن تحمل نفسك على طاعته ، والنعمة الثانية أن تكون صحيحاً معافى في بدنك ، والصحة رأسمال الإنسان ، ورأسماله الأوحد ، وهي وعاء عمله ، وهي سبب استقامته ، وهي سبب توفيقه في طلب الآخرة إن كانت الصحة موفورة .
أيها الإخوة الكرام ، الذين يتعرضون للتدخين السلبي يأخذون إجازات من وظائفهم ضعف الإجازات الصحية التي يأخذها زملاؤهم ممن لا يتعرض للتدخين السلبي ، هذه الحقائق المرة ينبغي أن تكون معلومة عند الإخوة المؤمنين ، فلا شك أن الذين يرتادون المساجد معظمهم لا يدخنون ، ولكن هذه المعلومات يجب أن ينشروها في أوساط من حولهم ، فلعل هذه الحقائق المرة تكون رادعاً لهم ورادعاً لغيرهم عن ممارسة التدخين .
أيها الإخوة الكرام ، إلى النصوص الشرعية ، يقول الله عز وجل :



[ سورة البقرة : 195]
هذا الذي يدخن أليس يلقي بيديه إلى التهلكة ؟ أليس ينتحر انتحاراً بطيئاً ؟ ولا أروع من ذلك الإعلان الذي رسم رصاصة ، وكتب تحتها : انتحار سريع ، ثم رسم دخينةً ، وكتب تحتها انتحار بطيء ، الرصاصة قتل سريع ، والدخينة قتل بطيء ، الله عز وجل يقول :

[ سورة البقرة : 195]

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : ... وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ، ثُمَّ يَقُولُ : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ ، وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ السَّاعَةَ احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ ، وَعَلَا صَوْتُهُ ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ ، كَأَنَّهُ نَذِيرُ جَيْشٍ ، يَقُولُ : صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ ، ثُمَّ قَالَ : مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ ، أَوْ عَلَيَّ ، وَأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ )) .
[ مسلم ، النسائي ، أبو داود ، الدارمي ، أحمد ]
أليست هذه الدخينة بدعةً ؟ إن الأسر الفقيرة تستهلك من دخلها ثلثه من أجل التدخين ، هذا المبلغ الذي يعادل ثلث دخل أسرة فقيرة لو رد إلى الأولاد غذاءً وفاكهة وكساءً وضروريات تفتقر إليها الأسرة ، أليس هذا من باب أولى ؟
أيها الإخوة الكرام ، آية ثانية ، قال تعالى :

[ سورة النساء : 29]
الآية مطلقة ، والمطلق على إطلاقه في القرآن الكريم ، قتل سريع معروف لدى الجميع ، وقتل بطيء هو الدخان الذي ينتهي بصاحبه تحت الثرى ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : (( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ )) .
[ أحمد ، أبو داود ]
أليس الدخان مفترىً ؟
أيها الإخوة الكرام ، عالم كبير من علماء مصر ذهب إلى أمريكا ، وزار بنفسه بعض معامل التبغ ، وألف كتاباً اشتريته أنا من معرض الكتاب ، وقرأته ، فإذا فيه هذه الحقيقة الخطيرة ، إن هذا الدخان ينقع في الخمر أشهراً ثلاثة ، أو ينقع في الكحول ، لأن هذه الدخينة إذا شعلتها تبقى مشتعلة ، ما الذي يجعلها مشتعلة ولو لم تستخدمها ؟ ذلك لأن أوراق التبغ نقعت أشهراً ثلاثة ، إما في الكحول ، وإما في الخمر ، فإذا كان في الخمر فسعرها أغلى ، لأن فيها نكهة الخمر ، هذه حقيقة ثابتة حتى في شركات التدخين في الشرق الأوسط ، تنقع أوراق التبغ في الخمر ، أو في الكحول من أجل أن تعطيها نكهةً ، ومن أجل أن تبقى مشتعلة حتى نهاية المطاف .
حقيقة ثانية مرة ، إن شركات التدخين في العالم الغربي تصنع دخاناً خاصاً لشعوبها ، وتصنع دخاناً آخر لشعوب الشرق الأوسط ، نسب النيكوتين خمسة أضعاف ، بالتعبير اليومي يعطوننا مزابل الدخان ، نسب النيكوتين بالدخان المصدر إلى الشرق الأوسط خمسة أضعاف .
شيء آخر ، نسب المدخنين تقلّ في العالم الغربي إلى ستين بالمئة ، يعني أربعون بالمئة أقلعوا عن التدخين ، ونسب المدخنين في العالم الإسلامي زادت ثمانية وثلاثين بالمئة ، هم يدعون التدخين حفاظاً على صحتهم ، وإدراكاً لمضار التدخين ، ونحن في العالم الإسلامي وفي الشرق الأوسط ترتفع نسب المدخنين إلى ثمانية وثلاثين بالمئة زيادة عن ذي قبل .
أيها الإخوة الكرام ، أحد علماء الدين في بلد إسلامي زار مستشفى كبيراً في عاصمة بلده ، وزار شعبة الأمراض الصدرية ، فكانت المفاجأة أنه ما التقى بمريض في هذه الشعبة إلا وهو يدخن ، بمعنى أن التدخين كان سبب إصابته بهذا المرض الصدري ، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول : (( ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم ، رجل أعطى رجلاً مالاً ، ولم يكتب به كتاباً ، فأكل ماله ، فلا يستجاب فيه دعاؤُه )) ، لأن الله أمره أن يكتب هذا الدين ، فلما تهاون بالكتابة أكل ماله ، إذاً هذا الإنسان لا يستجاب دعاؤه ، لأنه قصر في تطبيق منهج الله عز وجل ، (( ورجل آتى السفهاء أمواله ، فإذا دعا لا يستجاب دعاؤه )) ، وأنت حينما تنفق من دخلك ثلث دخلك على الدخان كأنك آتيت هذا المال أناساً سفهاء يتجرون بصحة الناس ، (( ورجل تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها )) ، وقد جعل الله له الطلاق طريقاً للخلاص منها ، فلما لم يطلقها إذاً لا يستجاب دعاؤُه .
أيها الإخوة الكرام ، في بلد إسلامي يُنفق على شراء الدخان ستة آلاف مليون جنيه ، الإحصاء المؤلم جداً أن أعلى نسبة للمدخنين في الدول النامية ، وإن أعلى نسبة في الدول النامية في المسلمين ، المسلمون في الدول النامية يشكلون أعلى نسبة من المدخنين .
وهذا الذي يستخدمه أصحاب الشركات العملاقة في الترويج للدخان ، ويقول : تعالوا إلى حيث النكهة ، هذا مات بسرطان الرئة ، وهو على فراش الموت قال : كنت أكذب عليكم ، الدخان قتلني .
أيها الإخوة الكرام ، وجاء في الموسوعة البريطانية أن القار والقطران الموجود في دخان السجائر يحتوي على كمية من المواد المسببة للسرطان ، أستميحكم عذراً في ذكر هذه الإحصاءات ، والتفاصيل العلمية التي قد يتوهم أحدكم أنها لا تناسب منبر خطبة الجمعة ، ولكن الحقيقة ينبغي أن تصل إليكم ، ينبغي أن يصحو الإنسان من غفلته في هذا الشرق المتخلف ، ينبغي أن تعلموا أن هؤلاء الذين لا يدينون بدين ، ولا يقيمون وزناً للقيم الأخلاقية ، ولم يؤمنوا بالآخرة إطلاقاً حفاظاً على صحتهم وقوتهم ومكانتهم بدأت نسب المدخنين تهبط عندهم بشكل واضح جداً ، الأمر الذي قد يؤدي إلى إفلاس هذه الشركات العملاقة التي لها دخل فلكي كبير .
أيها الإخوة الكرام ، هذه الحقائق العلمية عن التدخين ، وهناك أحكام فقهية عن التدخين ، كلاهما يصبّ في خانة واحدة ، إن أردت الحكم الفقهي  يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخبَائِثَ  ، وإن أردت الحقائق العلمية فهذا والله كمٌّ قليل قليلٌ مما عندي في ملفات التدخين عن أضراره على كلّ جهاز على حدة .
وفي دروس كثيرة في يوم الأحد ، وفي خطب كثيرة شرحت هذا الموضوع بتفاصيل مملة عن خطر الدخان على جهاز في جسم الإنسان ، ذكرت معلومات مختصرة وسريعة مأخوذة من موضوعات كثيرة .
أيها الإخوة الكرام ، إلى متى هذا الإنسان الغافل غارق في متع رخيصة تسبب أمراضاً خطيرة لا يعيها إلا بعد فوات الأوان ؟ كنت أذكر قديماً ودائماً أن الإنسان العاقل يتعامل مع النص ، بينما الإنسان الجاهل يتعامل مع الواقع ، فما دامت هذه الدخينة تعطيه راحة فيما يبدو توهمه بخدرٍ في جسمه فهو يدخن ، فإذا شارف الخطر القاتل صحا من غفلته ، هذا شأن غير العاقل ، بينما العاقل من شأنه أنه يتأثر بالنص ، والحقيقة قبل أن يأتي يوم لا ينفعه نص ولا حقيقة .
أيها الإخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، و اعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني .

* * *

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين ، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله ، صاحب الخُلق العظيم ، اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
مرةً ثانية أذكر أن معظم رواد المساجد ـ والحمد لله ـ لا يدخنون إلا قلّة قليلة ، أسال الله أن يعينهم على أنفسهم ، وأن يشفيهم من هذا الوبال ، وهذا المرض الذي هو سبب كل مرض ، لكن اختياري لهذا الموضوع لا من أجلكم ، فأنتم معافون ـ والحمد لله ـ ولكن من أجل من حولكم ، من أجل أن يكون الحق واضحاً ، وأن يكون الذي نهى الله عنه مدعماً بالحقائق الدقيقة .
أيها الإخوة الكرام ، شركة واحدة من شركات التدخين في العالم الغربي ، شركة واحدة أرباحها في اليوم الواحد من العالم الإسلامي ثمانون مليون دولار ، يذهب إلى إسرائيل منها اثنا عشر مليون دولار كل يوم ، نصيب هذه الدولة من أرباح هذه الشركة اثنا عشر بالمئة تقريباً ، شيء لا يصدق ، أرباح شركات التدخين خيالية ، لكن أعجبتني رسالة شكر وجهت للمدخنين ، يقول صاحب هذه الرسالة : يا صديقي المدخن الشهم ، هذه رسالة شكر شخصية موجهة إليك من كل أولياء الأمور ، ورؤساء الاستثمار ، ورؤساء الاقتصاد في أمريكا وأوربة ، إنهم يشكرونك ، لأنك وقفت معهم ، وخفضت العجز في ميزانيتهم ، ومنعت شركات الدخان عندهم من أن نقيم عليها الدعاوى نتيجة الانخفاض الحاد في عدد المدخنين ، لأنهم هناك في بلادهم يخضعون للعلم بفروضه ونوافله ، ولا يجادلون بالباطل ، لقد أكد العلم عندهم أن التدخين ضار جداً جداً بالصحة ، ولهذا اضطر أولياء الأمور خضوعاً للعلم أن يمنعوا التدخين في أماكن كثيرة .
الآن إخواننا الكرام ، التدخين في العالم كله فيما أعلم ممنوع في الأماكن العامة ، في الطائرات ، وفي القطارات ، وفي المركبات ، وفي الصالات ، أيّ مكان يضم أناساً عديدين التدخين ممنوع في هذه الأماكن .
الآن أيها الإخوة الكرام ، الفتيان في بلاد الغرب لا يشترون الدخان إلا بالبطاقة الشخصية ، وسعر الدخان ضوعف خمسة أمثال عدد المدخنين الذين انخفض عددهم أربعين بالمئة تقريباً ، فحلت الخسائر الكبيرة في شركات السجائر ، وكادت المعركة تنشب بين هذه الشركات وبين أصحابها ، ومن وضع سهامه فيها ، ولكن شهامة المدخن العربي والمسلم حالت دون هذا الانفجار ، وقامت بالتعويض اللازم ، وحافظت على معدل الأرباح لهذه الشركات ، لكن هذا المدخن العربي المسلم ضحى بصحته وبماله ، وبصحة أولاده وزوجته ، وصحة أبيه وأمه ، وخالف أوامر الله عز وجل في تحريم الخبائث ، وإزالة كل ما فيها من ضرر ، والامتناع عن كل تبذير ، لقد بلغت الشهامة مبلغها ، وارتفع عدد المدخنين في العالم الثالث بنسبة ثمانية وثلاثين بالمئة ، وأصبحت إعلانات الدخان الكبيرة خالية من عبارات التحذير العالمية ، ثم نقلت عدوى التدخين إلى فتيان في الثالثة عشر من عمرهم ، يقفون على أبواب المدارس يتبادلون الدخان ، وكأنهم يتبادلون قطع الحلوى ، لقد صدرت مئات الكتب التي تبرز الأضرار البشعة للتدخين ، ثم بالتالي الفتاوى المنصفة الجازمة بتحريم التدخين ، ثم تحدث الاقتصاديون عن المليارات التي تستنزف كما رصدوا النسب المئوية التي تؤكد التهام التدخين لأكثر من ثلث دخول الأسر الفقيرة أو المتوسطة ، هذه الحقائق وتلك التقارير ، وهذه الفتاوى لم تلقَ أذناً مصغية ، بل لقيت الإهمال واللامبالاة .
أيها الإخوة الكرام ، إنسان ينتحر باختياره ، ولا يملك إرادةً على ما يقتله ، وقد قال تعالى :

[ سورة النساء : 29]
أيها الإخوة الكرام ، هذه الحقائق وتلك التقارير ، وهذه الفتاوى ينبغي أن تردع كل مدخن عن أن يدخن ، لأن في الدخان هلاكاً له ، لكنه ليس كهلاك من يقتل برصاصة ، ولكن كهلاك من يصيبه مرض عضال فيموت بعد حين .
اللهم اهدنا فيمن هديت ، وعافنا فيمن عافيت ، وتولنا فيمن توليت ، وبارك لنا فيما أعطيت ، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ، ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، ولك الحمد على ما قضيت ، نستغفرك ونتوب إليك ، اللهم اهدنا لصالح الأعمال ، لا يهدي لصالحها إلا أنت ، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها مردنا ، واجعل الحياة زاداً لنا من كل خير ، واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، مولانا رب العالمين ، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم لا تؤمنا مكرك ، ولا تهتك عنا سترك ، ولا تنسنا ذكرك يا رب العالمين ، اللهم بفضلك ورحمتك أعل كلمة الحق والدين ، وانصر الإسلام ، وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، أذل أعداءك أعداء الدين ، يا رب العالمين ، شتت شملهم ، فرق جمعهم ، خالف فيما بينهم ، اجعل الدائرة تدور عليهم ، يا رب العالمين ، اللهم أرنا قدرتك بتدميرهم كما أريتنا قدرتهم في تدميرنا ، يا رب العالمين ، إنك سميع قريب مجيب الدعاء .

الحمد لله رب العالمين

الله يجزيك الخير على نقل هذه الخطبة الرائعة
وهو نداء إلى المدخنين فإذا كان الله ابتلاكم بهذا الداء فلا تجعلوه سببا ً لضرر غيركم ( لا ضرر ولا ضرار )
المقصود هو التدخين السلبي الذي تحدث عنه الدكتور

جزاكم الله خيرا على هذا النقل الرائع
وأود القول أن التدخين ربما يجسد في بعض المدخنين الأنانية وحب الذات فتراه يستمتع هو على حساب صحة ومشاعر غيره كما هو الحال في أماكن الازدحام ووسائل النقل
وأعتقد أن الفتوى بتحريمه أصبحت الآن قاطعة جازمة لاتحتاج إلى قال فلان أو قال علتان
تقبل مروري

شكككككككككككككككرررررررررررراً أبـــــــــــــــــــــــو أحمــــــــــــــــــــــــد
ياهيك الشغل يابلالالالالالالالالالالالالالالالالالا..

لا تعليق

التدخين مضر بس ما كتير(؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟)

جزاك الله خيرا شيخا ابا اسماعيل . مرور كريم

جزاك الله خيرا شيخ انس . مرور كريم

جزاك الله خيرا دكتور عبد الرحمن . مرور كريم

جزاك الله خيرا اخي ابو حمود. مرور كريم