إلهي أن اختلاف تدبيرك وسرعة حلول مقاديرك منعاً عبادك العارفين بك من السكون إلى عطاء واليأس منك في بلاء
قلت اختلاف التدبير هو إقامة كل عبد في حكمته على حسب إرادته ومشيئته من فقر أو غنى من علم أو جهل من عز أو ذل من قبض أو بسط من سقم أو صحة أو مرض من إيمان أو كفر إلى غير ذلك من اختلاف آثار القدرة وتنوع مظاهر الحكمة وسرعة حلول المقادير هو تبديل تلك الأحوال في أسرع حال من فقر إلى غنى ومن غنى إلى فقر ومن علم إلى جهل ومن جهل إلى علم ومن عز إلى ذل ومن ذل إلى عز ومن قبض إلى بسط ومن بسط إلى قبض ومن سقم إلى صحة ومن صحة إلى سقم ومن إيمان إلى كفر والعياذ بالله ومن كر إلى إيمان فقلوب الخلق بيد الله الواحد القهار يقلبها كيف يشاء ويختار ويفعل بها ما يشاء لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون فإذا تحقق العبد بهذا امتنع من أن يسكن إلى ما أعطاه مولاه لأنه قد يسلبه ذلك في ساعة واحدة وامتنع أيضاً أن ييأس من مولاه في وقت شدته وبلواه قال تعالى فإن مع العسر يسر أن مع العسر يسرا ودوام حال من قضايا المحال لكن لم يتحقق بهذا ذوقاً إلا العارفون فلذلك لا يسكنون إلى عطاء ولا ييأسون في بلاء بل يسكنون إلى من بيده المنع والعطاء فلذلك لا يزول اضطرارهم ولا يكون مع غير الله قرارهم ودليل ما قاله الشيخ قوله تعالى كل يوم هو في شأن ولا مفهوم لليوم بل في كل لحظة هو في شأن يرفع أقواما ويخفض آخرين يعز قوماً ويذل آخرين يميت قوماً ويحيى آخرين يعطي قوماً ويمنع آخرين من أمور يبديها لا يبتدئها وقال بعضهم في تفسير الآية كل يوم يجهز ثلاثة عساكر عسكراً من الأصلاب إلى الأرحام وعسكراً من الأرحام إلى الدنيا وعسكراً من الدنيا إلى القبور ثم يرتحلون إلى الله جميعاً اه وقد تقدم بعض الكلام على علامات العارف وقال الشطبي في هذا المحل فقلوب العارفين تشاهد بنوره ولا مشاهد للحق سواه ومنازلات الربوبية خارجة عن رسوم البشرية فعلامة العارف أن يكون قلبه مرآة يري فيه ما غاب من غيره وجلاء القلب لايكون إلا بنور الإيمان والإيقان. فعلى قدر قوة الإيمان يكون نور القلب. نور القلب وعلى قدر نور القلب تكون مشاهدة الحق وبقدر مشاهدة الحق تكون المعرفة بأسمائه وصفاته وبقدرهما يكون يكون التعظيم لذاته وبقدر التعظيم لذاته يكون كمال العبد وبقدر كماله يكون استغراقه في أوصاف العبودية بقدر استغراقه في أوصاف العبودية يكون قيامه بحقوق الربوبية وما قدروا الله حق قدره اه قلت وبقدر قيامه بحقوق الربوبية يكشف له عن أسرار الألوهية وأنشدوا
كانت محادثة الركبان تخبرني ... عن فضلكم وسناكم أطيب الخبر
حتى التقينا فلا والله ما سمعت ... أذني بأحسن مما قد رأى بصري
ومن أوصاف العبودية بعد الفقر والجهالة الخساسة واللآمة كما أن من أوصاف الربوبية بعد الغنى والعلم والإحسان والكرم فأدلى الشيخ بذكر لآمه نفسه إلى كرم مولاه وإحسانه فقال في المناجاة الرابعة