شرح الحكمة:
الهمم هي العزائم التي يمتع الله بها في مجال الإقبال على شؤونهم الحياتية، و مهما اشتدت و قويت هذه العزائم فإنها لا تخرق أسوار الأقدار...
هذه الحكمة تثيرمسألة القضاء و القدر.
و لنعرف بدءا القضاء و القدر:
فالقضاء هو علم الله الأزلي بكل ما يجري في المستقبل.
والقدر هو وقوع الأشياء طبقا لهذا العلم الأزلي.
و هذان المعنيان (أيالقضاء و القدر) منها ما يقعدون أن يكون للإرادةالإنسانية دخل كالموت و المصائب و الأمراض و العاهات،و منها ما يقع على إثر إرادة و قصد من الإنسان كالدراسة و التجارة و الزراعة.
و كلا النوعين هما في علم الله، و يخضعان لقضاء اللهو قدره، و هذه الحكمة تجيب على من يعكف على سبب من أسباب الرزق في عمل غير مشروع، ويحتج أن الله أقامه في عالم الأسباب و أن عليه السعي للبحث عن الرزق، فتأتي هذهالحكمة لتقول لهذا الشخص أن رزقه كثيرا كان أم قليلا، فإنه مكتوب في علم الله، قالتعالى(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِالْمَتِينُ)الذاريات: 58 و في آية أخرى(فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ)العنكبوت:17، وفي الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه(إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمربأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد(…
و هنا قد يسأل سائل: إن كان الرزق مسطرا في علم الله ففيم السعي وراءه إذن و لماذا نتعامل مع الأسباب؟؟
و الجواب لأن الله عز و جل أقامنا في خضم الأسباب و أمرنا بالتعامل معها مع اليقين أن الفاعلية (النتيجة) هي تبع لإرادة الله و حكمه، و كل القوانين و الأنظمة الكونية إنما هي من تدبير الله عزو جل، فانظر إلى الآيات التالية)اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)البقرة: 255، و قوله عز و جل(وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ)الروم: 25، و قوله أيضا )إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً)فاطر:41.
فهذه الآيات تبين أن الأسباب إنما تستمد فاعليتها و نتيجتها من الله عز و جل.
ثم قد يسأل السائل، ففيم إذن التعامل مع الأسباب؟ لماذا نجلس فننتظر حكم الله و سلطانه؟؟
و الجواب أن التعامل مع الله يكون بالانسجام مع أوامره و التعامل مع نظامه، فإن جعنا نأكل، و إن مرضنا نتداوى، و إن ظمئنا نشرب، و مع كل هذا لا فاعلية إلا لله، و لا تأثير إلا بحكم الله . و انظر إلى قصة السيدة مريم العذراء حين أنبت الله لها التمر في غير ميعاده وأسقطها في حجرها لكن الله سبحانه أمرها بهز جذع النخلة (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) مريم:25، فقد أمرها بالقيام بوظيفة التعامل مع الأسباب، و هي هز جذعالنخلة، و تكلف الله برزقها.