الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد فإن العفو عن المخطئين من الأخلاق الإسلامية الحميدة التي ينبغي أن يتصف بها المسلمون، من أجل ذلك أردت أن أُذَكِّرَ نفسي وإخواني الكرام بهذا الموضوع المهم، فنقول وبالله التوفيق
معنى العفو: العَفْو هو التَّجاوزُ عن الذَّنْب، وتَرْكُ العِقَاب عليه، وأصلُه المَحْوُ والطَّمْسُ، يقال عفا يَعْفُو عَفْوًا فهو عافٍ وعَفُوٌّ النهاية لابن الأثير ج ص
العَفُوُّ من أسماء الله الحسنى
قال الله تعالى إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا النساء ، وقال سبحانه ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (الحج)
الفرق بين العفو والغفران
يَتَمثَّلُ الفرقُ بين العفو والغفران في أمور عديدة أهمها
أن الغفران يقتضي إسقاط العقاب ونَيْلُ الثواب، ولا يستحقه إلا المؤمن، ولا يكون إلا في حق الله تعالى
أما العفو فإنه يقتضي إسقاطَ اللَّومِ والذم، ولا يقتضي نيل الثواب ويُستعملُ في العبد أيضًا
العفو قد يكون قبل العقوبة أو بعدها، أما الغفران، فإنه لا يكون معه عقوبة ألبَتَّة، ولا يُوصفُ بالعفو إلا القادرُ عليه
في العفو إسقاط للعقاب، وفي المغفرة سَتْرٌ للذنب وصون من عذاب الخزي والفضيحة نضرة النعيم ج ص
الفرق بين الصفح والعفو
الصفح والعفو متقاربان في المعنى فَيُقالُ صَفَحْتُ عنه أَعْرَضْتُ عن ذنبه وعن تَثْرِيِبِهِ، إلا أن الصفح أبلغ من العفو، فقد يعفو الإنسان ولا يصفح، وصَفَحْتُ عنه أَوْلَيْتُهُ صَفْحَةً جَمِيلَةً نضرة النعيم ج ص
العفو عن الناس وصية رب العالمين
حثنا الله تعالى في كتابه العزيز على العفو عن المخطئين، وذلك في مواضع عديدة، وسوف نذكر بعضها فيما يلي
قال الله تعالى إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا النساء قال ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية الكريمة إن تظهروا أيها الناس خيرًا، أو أخفيتموه، أو عفوتم عمن أساء إليكم؛ فإن ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم ولهذا قال إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا تفسير ابن كثير ج ص
وقال الله تعالى لنبيه فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران
وقال سبحانه وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الشورى
قال ابن جرير الطبري عند تفسيره لهذه الآية فمن عفا عمن أساء إليه، إساءته إليه، فغفرها له، ولم يعاقبه بها، وهو على عقوبته عليها قادر، ابتغاء وجه الله؛ فأجر عفوه ذلك على الله، والله مثيبه عليه ثوابه تفسير الطبري ج ص
وقال سبحانه لنبيه خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الأعراف
قال ابن جرير خذ العفو من أخلاق الناس، واترك الغلظة عليهم، وقد أُمر بذلك نبيّ الله في المشركين تفسير الطبري ج ص
عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيّ «مَا أَحَدٌ أَصْبَرُ عَلَى أَذًى سَمِعَهُ مِنْ اللَّهِ؛ يَدَّعُونَ لَهُ الْوَلَدَ، ثُمَّ يُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ» البخاري حديث
نبينا يحثنا على العفو عن الناس
نبينا حثنا على العفو عن المخطئين في كثير من أحاديثه الشريفة، وسوف نذكر منها ما يلي
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «إِنَّ الأَنْصَارَ كَرِشِي وَعَيْبَتِي جماعتي وخاصتي الذين أثق بهم ، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» مسلم حديث
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «تَعَافُّوا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ؛ فَقَدْ وَجَبَ» حديث صحيح صحيح أبي داود للألباني حديث
عن عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ رضي الله عنهما قال جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمْ نَعْفُو عَنْ الْخَادِمِ؟ فَصَمَتَ، ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْكَلامَ، فَصَمَتَ، فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ «اعْفُوا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً» حديث صحيح صحيح أبي داود للألباني حديث
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ» مسلم حديث