بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على حضرة سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
في صبيحة أحد أيام الصيف في مدينة عمان اتصل صديق لي مبشرا أن الدعوة وصلت من قرغيزستان يدعونك للعمل عندهم في الجامعة القرغيزية الكويتية مدرسا , فما كنت لأصدق هذا الخبر لولا أنه أحضر ورقة الدعوة بيده, وعندها أيقنت أن سفري محتم بإذن الله وإنني لا أستطيع كيف أصف كان شعوري في ذلك الوقت بذلك الخبر فزادت بهجتي وارتسمت على صفحة خدي ابتسامة عريضة وبدأت المشاعر في نفسي تحتشد سراعا وتتدافع بغية الخروج على شكل انفعال في إطار تصرف ما وسرعان ما حاولت السيطرة على تلك الانفعالات الهائجة حفاظا على وقاري أمام أهلي وأولادي فماذا سيفكروا ؟ هل أرغب في مفارقتهم ؟ ولكن ياترى كيف سأزف الخبر لهم ؟ هل سيفرحوا لفرحي أم سيحزنوا على فراقي ؟ .
جئت إلى زوجتي أم عبد القادر وأخبرتها سرا بالخبر , فلم تخف مشاعر الحزن فبكت ولكن سرعان ما استدركت نفسها ومسحت دموعها وقالت : أشو فيها روح الله يسهل أمورك (بلكي منحسن وضعنا المادي شوية) ولعلها في هذه العبارة ما كان رضاها طمعا في النقود وتحسين الوضع المادي فكل أموال الدنيا ليست في عينيها كما يقال وأنا أعرفها جيدا لكنها لم تكن تريد أن تكون هي أول من يقف في طريقي فيحصل لي التشاؤم من قبلها .
جئت إلى الوالد والوالدة فأخبرتهما الخبر فدعوا الله لي ولم يكن خافيا ما على وجهيهما من الحزن لكن ماذا سيفعلوا , أمي قالت : يا بني روح وإذا ما أعجبتك الحياة هناك إرجع.
ذهبت إلى إحدى شركات الخطوط الجوية فطلبت معرفة سعر التذكرة من عمان إلى بشكيك , فقال لي الموظف: ( لوين؟) فأعدت الكلام له فقال : أين بشكيك هذه ؟ فقلت في قرغيزيا , فكأني زدت الطين بلة فأصبح يضحك , فقال : يا أخي أنت ما زدتني إلا غموضا , فقلت له: وأنا لا أعرف بالضبط أين تقع قرغيزيا هذه لكن حسب معلوماتي تقع في جهة روسيا والصين , فكان من قدر الله أن عنده خارطة فبحث كثيرا حتى أعياه التعب ثم ما لبث أن صرخ معلنا الفوز أقصد أنه أخيرا وجدها , وبدأ يبحث في الكمبيوتر عن الخط المناسب والسعر المناسب فقال : أفضل الخطوط التي تذهب إلى هناك التركية عبر استانبول , وتاريخ الرحلة غدا صباح يوم الجمعة الموافق لـ 22/8/2001 فدفعت له النقود وشكرت له تعبه وانصرفت.
رجعت إلى البيت ومعي بطاقة الطائرة فجمعت أمتعتي التي أحتاجها وحرصت على البالطو الشتوي لأنني كما سمعت أن بلادهم باردة , وأبي أعطاني ( قطوشي) مؤازرة منه لي ومعبرا لي على رضاه عني .
جلست في الليل مع الأهل جميعا نسمر ونضحك هذا ما كان يظهر ولكن الوالد والوالدة والزوجة كانوا يختلسون نظرات الوداع لي من غير أن يشعر بعضهم ببعض أو أشعر به أنا حتى, وسرعان ما مضى الوقت وجاءت السيارة في الساعة الثالثة صباحا فحمل إخوتي الأمتعة ووضعوها في السيارة وقمت فودعت الوالدين والأولاد والأهل جميعا , ولكن كانت رجلاي تسارعان إلى السيارة وقلبي يأبى المغادرة , تبا لها سكرة الطموح وحب الاستكشاف كانا ينسياني ألم الجرح أول الأمر.
دخلت المطار بعد أن ودعت من ذهب معي من إخوتي وأكملت الإجراءات الرسمية المعروفة وجلست في صالة الانتظار حتى حان وقت الدخول إلى الطائرة فدخلنا الطائرة وكانت ضيقة والضغط فيها مرتفع ووضعت أمتعتي في المكان المخصص وجلست متسمرا وعيناي هما اللتان تدوران , فأقلعت الطائرة ,بعد ساعتين ونصف وصلنا استانبول.
أكملنا إجراءات الدخول إلى المطار ومن ثم إلى داخل المدينة للاستراحة في فندق طيلة النهار وللتجول في استانبول .
استقليت سيارة أجرة من الفندق إلى مسجد السلطان أحمد في قلب المدينة لصلاة الجمعة فيه وهو مسجد يقع بجواره مسجد آيا صوفيا المشهور وكلنا رأى صورته وهو الآن متحف لا يصلى فيه وإنما يصلى في مسجد السلطان أحمد الذي ذكرت, فدخلته وإذا هو مسجد واسع ضخم رواده كثيرون , والأتراك لهم حفاوة في صلاة الجمعة وتقديس ليس كما عهدته في بلادنا يذهب المصلي قبل الجمعة بنصف ساعة أو أقل وما إن تنتهي ركعتا فرض الجمعة حتى يسارع في الخروج , بل على العكس من ذلك دخلت قبل الخطبة بساعة ونصف فبدأ بقراءة القرآن الكريم مجموعة من القراء لهم أصوات ندية وبعد القرآن تواشيح وأناشيد باللغة التركية ثم الدرس يلقيه شيخ لمدة 40 دقيقة ثم يؤذن الظهر ويصلوا أربع ركعات منفردة سنة الظهر ثم أربع ركعات سنة الجمعة ثم خطبة الجمعة وهي طويلة ثم صلاة الجمعة ثم أربع ركعات سنة الجمعة البعدية ..........
هذا باختصار شديد ومدة الصلاة تستغرق أكثر من ساعتين .
خرجت بعد الصلاة من المسجد وقد أنجزت عملا مهما فدلفت إلى ساحة المسجد أتمتع بالمناظر التي لها بعد إسلامي تاريخي طالما كنا نقرا عنه ,أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه و محمد الفاتح والسلطان عبد الحميد رحمهم الله وووووو غيرهم كثير .
وكنت أرغب جدا أن أدخل المتحف ( آيا صوفيا) الذي تشرف بأن يحوي أمتعة حبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكتب لي وقالوا بأنه مغلق وهو قيد الصيانة .
رجعت إلى الفندق فأكلت طعام الغداء واستحممت وارتحت حتى الساعة السابعة فجاءت الحافلة تنقلنا إلى المطار استعدادا للانطلاق إلى بشكيك.
أقلعت الطائرة بنا من مطار استانبول متجهة جهة الشرق قاصدة قرغيزستان وكانت الساعة العاشرة مساء يوم الجمعة في 22/ 8/2001م ولما استوت الطائرة بنا في الجو بسطت رجلي محاولا إبعاد آثار التوتر عن أعصابي فقد منعني الارهاق من النوم بشكل طبيعي طيلة يومين
كان مقعدي في الثلث الأخير من الطائرة بجانب شاب وشابة قرغيزيين وأذكر أنني عندما أخذت مكاني من الطائرة واطمأننت على وضع حقيبتي الخاصة فوق مقعدي مباشرة قدمت تحية لجيراني على الطريقة الأوروبية هز الرأس مع ابتسامة مصطنعة على غير عادتي وهي طريقة ناشفة أعاذنا الله وإياكم منها وكنت أرتدي بدلة (طقم)رسمي شتوي مع رباط (كرافيت) ( خانق حالي خنق) , كان جو الطائرة حارا أو هكذا كنت أحس ربما بسبب هذه البدلة الثقيلة , وليس لي ذنب في هذا فقد حذروني من ارتداء الملابس الصيفية الخفيفة فأنا إذن أطبق نصائح المجربين ولكن لا علي من أن أخلع الجاكيت وليكن ما يكون فخلعته وألقيته على ركبتي وفككت زر القميص وأبعدت ضغط الكرافيت عن رقبتي فتنفست الصعداء واسترخيت
جاءت المضيفة إلي بكل رقة وأدب فقالت باللغة الانكليزية : أي نوع من الطعام تتناول ياسيد؟ وطبعا أخوكم بلبل بالانكليزي فنفشت عضلاتي مبرهنا لها على فهمي التام لسؤالها ,فقلت وما هي وجباتكم فقالت اللحم مع الخضار أوالإنديوك مع الأرز ,( فصفنت) بينما انشغلت قليلا فاهتبلت الفرصة وسألت جاري ما هو الانديوك فاحتار المسكين فما كان منه إلا أن وضع سبابته أمام أنفه على شكل منقار وأصبح يرفرف بيديه فعلمت بأنه طائر فقلت الحمد لله هو نوع من الدواجن وأنا عادة في الطائرة أرغب أكل الطيور أكثر من اللحوم الحمراء لأنها مظنة أن تكون لحمة خنزير فقلت للمضيفه ( بفهلوة) أريد إنديوك فقدمت لي طعامي وفتحت الطبق واذا به قطعة من الديك الهندي فالتهمته بكل ( جنتلة) طبعا بالشوكة والسكين ولكن ياإلهي أرجو أن لا ينظرجيراني إلى طريقة استخدامي للشوكة والسكين عندها سيتأكدوا أنني فقط رأيت الآكلين بهما في المسلسلات
لا أطيل عليكم , بعد الطعام قدمت لنا المضيفة القهوة واللوز فأكل الجميع وشرب وحمد الله تعالى وأطفئت أكثر إنارة الطائرة استعدادا للخلود إلى الراحة فالرحلة طويلة أكثر من خمس ساعات .
وإلى اللقاء
أحمد عبد القادر الطويل
بشكيك