بلاد الشام في السنة النبوية
الأحاديث في فضائل الشام كثيرة، وربما ورد الحديث الواحد عن أكثر من صحابي، وعن أكثر من تابعي؛ ولهذا سنقتصر منها على أهمّها:
أولاً: فيها الطائفة المنصورة:
عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال من أمتي أمّة قائمة بأمر الله، لا يضرّهم من كذبهم، ولا من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك»([33]).
قال مالك بن يخامر: سمعت معاذاً يقول: «وهم بالشام».
ثانياً: عُقر([34]) دار المؤمنين بالشام:
عن سلمة بن نفيل الكندي -رضي الله عنه-، قال: كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا: لا جهاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه، وقال: «كذبوا، الآن جاء القتال، ولا تزال من أمتي أمّة يقاتلون على الحق، ويزيغ الله لهم قلوب أقوامٍ، ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، ويأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وعقر دار المؤمنين بالشام» ([35]).
وهذا فيه تصريح: أنّ الطائفة المنصورة في الشام.
ثالثاً: الوصيّة بسكنى الشام والهجرة إليها:
عن عبدالله بـن عمر -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج عليكم في آخر الزمان نار من حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟ قال: «عليكم بالشام» ([36]).
وعن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: وأومأ بيده نحو الشام وقال: «إنكم محشورون رجالاً وركباناً ومُجَرُّون على وجوهكم» ([37]).
وعن عبدالله بن حَوَالة -رضي الله عنه- قال: قال صلى الله عليه وسلم: «سَتُجَنّدون أجناداً مجندة: جُنداً بالشام، وجُنداً بالعراق، وجُنداً باليمن».
قال عبدالله: فقمت فقلت: خرْ لي([38]) يا رسول الله، فقال: «عليكم بالشام، فمن أبى؛ فليلحق بيمنه، وليستَقِ من غُدُرِه، فإنَّ الله -عزَّ وجل- قد تكفّل لي بالشام وأهله» ([39]).
رابعاً: الملائكة باسطة أجنحتها على الشام:
عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى للشام، طوبى للشام»، قلت: ما بال الشام؟ قال: «الملائكة باسطو أجنحتها على الشام» ([40]).
خامساً: الإيمان حين تقع الفتن بالشام:
عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت؛ فإذا هو نور ساطع عُمِد به إلى الشام، ألا إنّ الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام» ([41]).
سادساً: نفي الخير عن المسلمين إذا فسد أهل الشام:
عن معاوية -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا فسد أهل الشام، فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمَّتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة» ([42]).
فانظر -رحمك الله-؛ فإنّ أكثر الأحاديث في الشام يأتي قبلها أو بعدها: «لا تزال طائفة من أمتي…»؛ وفيه دلالة وبيان على أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية في بلاد الشام.
سابعاً: دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الشام:
عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا» قالوا: وفي نجدنا؟ قال: «اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا»، قالوا: يا رسول الله: وفي نجدنا([43])؟ يريدون أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجد، فما دعا لهم-البتّة-، قال: «هنالك الزلازل والفتن، وبها يطلع فرن الشيطان»([44]).
ثامناً: فسطاط المسلمين يوم الملحمة في دمشق في الشام:
فعن أبي الدرداء -رضي الله عنه-، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرضٍ يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق؛ خيرُ منازل المسلمين يومئذٍ» ([45]).
([33]) متفق عليه.
([34]) أي: أصل الشيء وموطنه، وتقرأ: عَقر أو عُقر -بفتح العين وضمها-.
([35]) رواه النسائي، وأحمد، وصححه شيخنا الألباني -رحمه الله- في «الصحيحة» (1935).
([36]) رواه الترمذي وأحمد، وصححه شيخنا -رحمه الله- في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص33).
([37]) رواه الترمذي وأحمد بإسناد صحيح، وحسنه شيخنا في «صحيح الترغيب والترهيب» (3/3582) بلفظ: «إنكم تحشرون رجالاً وركباناً وتجرون على وجوهكم»، وهو عند أحمد والترمذي بلفظ: «إنكم محشورون رجالاً وركباناً وتُجَرُّون على وجوهكم» وهو في «صحيح الترمذي» برقم (2512).
([38]) أي: اختر لي ودُلَّني على بلاد أسكنها؛ أي: عند تقسيم بلاد المسلمين، ووقوع الفتن.
([39]) رواه أبو داود وأحمد بإسناد صحيح، وصححه شيخنا في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص13).
([40]) رواه الترمذي -وحسنه-، ووافقه شيخنا -رحمه الله- في «الصحيحة» (503).
([41]) رواه الإمام أحمد، وصححه شيخنا في «تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق» (ص14).
([42]) رواه الإمام أحمد، وصحَّحه شيخنا في «صحيح الجامع» (702).
([43]) المراد: شرق المدينة النبويّة، وهي العراق على الراجح، كما فصَّل ذلك شيخنا الإمام الألباني -رحمه الله- فقال في «الصحيحة» (2246): «وإنما أفضت في تخريج هذا الحديث الصحيح، وذكر طرقه وبعض ألفاظه؛ لأنَّ بعض المبتدعة المحاربين للسنّة، والمنحرفين عن التوحيد يطعنون في الإمام محمد بن عبدالوهاب -مجدد دعوة التوحيد في الجزيرة العربية-، ويحملون الحديث عليه باعتباره من بلاد (نجد) المعروفة اليوم بهذا الاسم، وجهلوا -أو تجاهلوا- أنها ليست هي المقصودة بهذا الحديث، وإنما هي (العراق)؛ كما دلَّ عليه أكثر طرق الحديث.
وبذلك قال العلماء قديماً وحديثاً؛ كالإمام الخطَّابي، وابن حجر العسقلاني وغيرهم.
وجهلوا - أيضاً- أنَّ كون الرجل من بعض البلاد المذمومة لا يستلزم أنه هو مذموم - أيضاً- إذا كان صالحاً في نفسه، والعكس بالعكس، فكم في مكة والمدينة والشام من فاسق وفاجر، وفي العراق عالم وصالح.
وما أحكم قول سلمان الفارسي لأبي الدرداء حينما دعاه أن يهاجر من العراق إلى الشام: «أما بعد؛ فإنَّ الأرض المقدسة لا تُقدِّس أحداً، وإنما يُقدِّس الإنسانَ عملُه».