تلك الطبيعةُ قِفْ بنا يا ساري حتى أُريك بديعَ صنعِ الباري
الأرضُ حولَكَ والسماء اهتزَّتا لروائع الآياتِ والآثارِ
ولقد تمرُّ على الغدير تخالُه والنبتُ مرآةٌ زهَتْ بإطارِ
حلوُ التسلسل موجُه وخريرُه كأناملٍ مرّت على أوتارِ
ينسابُ في مُخْضَلَّةٍ مُبْتَلَّةٍ منسوجةٍ من سندس ونضَارِ
وترى السماء ضحى وفي جنح الدّجى منشقة عن أنهرٍ وبحار
في كل ،ـاحيةٍ سَلَكْتَ ومذهبٍ جبلانِ من صخرٍ وماءٍ جاري
سبحان من خلق الوجودَ مصوِّرًا تلك الدّمى ومقدّرِ الأقْدارِ
من هو الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، هل يستطيع أحد في العالم، هل يستطيع كيان، أو منظمة، أو مؤسسة، أو هيئة علمية، أن تدعي وتزعم أنها هي التي أعطت كل شيء خلقه ثم هدَت ؟. لا، وألف لا، إن الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى هو الله.
ردّ بهذا الردسيدنا موسى كليم الله على فرعون عدو الله، لما سأله فرعون: من ربكما، ما تعريفه، ما ترجمته، ما آثاره، ما هي الدلائل القائمة على وحدانيته، ما هي البراهين الساطعة على ألوهيته.
فقال موسى: ربُّنا الذي أَعْطى كلَّ شيء خَلْقه ثم هدى [طه:50].
وهذه الآية تشمل عالم النبات، وعالم الحيوان، وعالم الإنسان، وعالم البر، وعالم البحر، وعالم الجو، فالله يتجلى في عصر العلم، كلما مرَّ يوم، وكلما اكتشف اكتشاف، دلنا على الله وعلى قدرته ووحدانيته.
وفي كل شيء له آيةٌ تدلُّ على أنه واحدُ
سنريهِم آياتِنا في الآفاق وفي أنْفُسِهم حتى يتبيَّن لهم أنه الحقُّ [فصلت:53].
كان السلف يعرفون من قوله تعالى: فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزَّت ورَبَتْ وأنبتَتْ من كل زوجٍ بهيج [الحج:5]. أن الأرض تخضر وتُثْمِر وتُزهِر إذا نزل عليها الماء، ثم تقدم العلم، واكتشف أهل علم النبات؛ أن الإنسان إذا وضع الحب اليابس في الأرض اليابسة لا ينبت الزرع، حتى تهتز الأرض درجة واحدة من درجات جهاز (رختر) فتنصدع قشرة الحبة، فتنبت بإذن الله، والله يقرر ذلك قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وقبل أن تهتز لا تنبت ولا تثمر.
أحد الشعراء كان مسرفًا على نفسه في الخطايا، أبو نواس، وعندما توفي، رآه أحد علماء أهل السنة في المنام في هيئة حسنة، عليه ثياب بيض، جالس في بستان، قال: يا أبا نواس كيف حالك؟ قال: لقد أتيت إلى الكريم فغفر لي، قال: بماذا؟ قال: بقصيدتي في وردة النرجس:
تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليكُ
عيون من لُجَين شاخصات بأحداقٍ هي الذهبُ السبيكُ
على كُثُبِ الزَّبَرْجَد شاهداتٌ بأن الله ليس له شريكُ
النخل.. الرمان.. الريحان.. كل نبت.. كل زهر، يشهد أن لا إله إلا الله.
إنها معالم الوحدانية، ودلائل الألوهية، وآيات الربوبية.
وعرف السلف قوله تعالى: فلا أقسم بمواقع النجوم [الواقعة:75]. قالوا: إن ذلك إشارة إلى أماكنها، وتطور الإعجاز العلمي، فاكتشف علماء الفلك، أن هناك نجومًا ذهبت من أماكنها، أرسلها الله، سرعتها كسرعة الضوء أو أكثر، ولم ترتطم بالأرض إلى اليوم، وبقيت مواقعها هناك، فقال الله: فلا أقسمُ بمواقعِ النجوم. ولم يقل: فلا أقسم بالنجوم تعظيمًا لمواقعها.
والله يقول: والسماء بنيناها بأيْدٍ وإنّا لموسعون [الذاريات:47]. يقول العلماء: إن الله، عزّ وجلّ، أوسع الكون، وجعله فسيحًا، بصحاريه، وفيافيه، وبحاره، ومحيطاته، ثم تطور علم الإنسان إلى أن وصل إلى قضية مذهلة؛ وهي أن الكون يتسع كل يوم كما يتسع البالون إذا مُلئ بالهواء تماماً !!, يوسع الله الكون، نعم هذه قدرته وهذا سلطانه، ليهْلِكَ من هلك عن بينة ويحيى من حىَّ عن بينه [الأنفال:22].
[center]