بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وصلى وسلم على المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات
عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون صلاةً وتسليماً دائمين متلازمين مع البركات
ورضي الله عن ساداتنا وأئمتنا ذوي الفضل الجلي والقدر العلي أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان الحيي الستير وعلي الكرار
وسائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم
الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: “إن الله وملائكته يُصلُّون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما” (الأحزاب: 56).
تأتي هذه الآية لتبين شيئاً من التشريف العظيم الذي لم يعهد له نظير للنبي صلى الله عليه وسلم، ويأتي التعبير بالجملة المفتتحة بلفظ الجلالة للدلالة على دوام صلاة الله تعالى وملائكته على الرسول صلى الله عليه وسلم كما كان في التعبير بالجملة الفعلية “يصلون على النبي” الواقعة خبراً دلالة على تجدد تلك الصلاة واستمرارها.. والتأكيد ب “إن” في صدر الجملة للاهتمام بشأن الخبر، والاعتناء به، وصرف القلوب اليه، وفي مجيء الجملة الاسمية “إن الله وملائكته” تقوية وتأكيد آخر لمضمون الجملة، وافتتاح هذه الجملة الكريمة بلفظ الجلالة، لإدخال المهابة والقدسية والتعظيم في هذا الخبر، والاضافة في قوله “وملائكته” اضافة تشريف وتعظيم، وفي هذا دلالة اضافية على عظيم شرف الرسول صلى الله عليه وسلم وفيها تشريف للملائكة وإيثار الاضافة على قوله مثلاً: و(الملائكة)، للدلالة على تبعية الملائكة لسلطانه سبحانه وتفرد الخالق سبحانه، بالهيمنة والجبروت، وان الملائكة على كثرة عددهم ما هم إلا خلق من خلق الله منقادون تحت سلطانه وعظمته سبحانه، فرب الأكوان سبحانه هو المتفرد بالسيادة، والملائكة وهم من صفوة خلقه وخيرته تبع له سبحانه يصلون على النبي الصفوة بصلاة خالقهم عليه. ألا يقشعر البدن بتلك الرهبة والقدسية والجلال والتمجيد في تلك التبعية للخالق سبحانه في صلاته؟ ألا تشعر في تلك الاضافة بأنه أريد لهذا الخبر الجليل العظيم بأن تتلقفه العقول نقياً صائباً صحيح العقيدة بعيدا عن اي شبهة زيغ او ضلال، فيتوافق مع مضمونه بأن سيد الأكوان المهيمن على خلقه سبحانه الذي لا شريك له في سلطانه يصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم!! (وفي بناء هذا الفعل على اسم الجلالة وعطف اسم الملائكة عليه دلالة على ثبوت هذا الفعل وتحقيقه، وأنه من افعال الله عز وعلا المتجلي بها أبداً على نبيه صلى الله عليه وسلم وان ملائكته مشرفون ابداً بالثناء على رسول الله صلى الله عليه وسلم).
والصلاة في اللغة بمعنى الدعاء. وجاء قوله تعالى: “وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم” مبيناً لمعنى الصلاة في اللغة، اذ المراد هنا: ادع لهم، وقد اختلف في معنى الصلاة من الله تعالى وملائكته عليهم السلام على نبيه صلى الله عليه وسلم على اقوال كثيرة أظهرها ان المراد من صلاة الله على رسوله الثناء، والصلاة من الملائكة بمعنى الدعاء.
والحقيقة انني أميل الى الرأي القائل ان المراد من معنى الصلاة هنا مطلق الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يبقى لكل ثناء ما يميزه في كيفيته وقدره وكنهه على حسب اختلاف فاعله، فالصلاة مِن الله عز وجل على مصطفاه ثناء منه يليق بجلاله سبحانه نفهم معناه ولا نحيط بكنهه ووصفه، وكيفه، فهو حقيقة في بابه ليس كمثله ثناء الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم، فالصلاة منهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثناء منهم عليه بما يليق وجلال قدره صلى الله عليه وسلم وبما يتسق مع كنههم ولذا فثناؤهم ايضاً حقيقة في بابه، يبقى التميز والتفرد، فذلك ثناء من الخالق على عبده ونبيه، وهذا ثناء مخلوق على مخلوق آخر، وأنىّ لثناء المخلوق ان يجاري ثناء الخالق.
وإسناد الفعل الى الضمير “يصلون” فيه دلالة على التوافق في الايقاع ايماء الى ان ثناء الملائكة على النبي صلى الله عليه وسلم متجدد مستمر لا ينقطع.
وفي ذكر رسولنا صلى الله عليه وسلم بوصف النبوة دون اسمه صلى الله عليه وسلم إجلال له، وتعظيم لشأنه الشريف. وعلة نعته بوصف النبوة دون الرسالة ترتبط باشتقاق الكلمة، وكلمة (نبي) مشتقة من النبأ وهو الخبر العظيم الفائدة الذي يحصل به علم أو غلبة ظن.
إذن هذا المعنى اللغوي لكلمة نبأ هو هادينا الى الجواب، فمن الملاحظ ان هذه السورة قد حفلت بأنباء مهمة، ففيها إنباء ببطلان الظهار، وإنباء ببطلان التبني، وإنباء بزواجه عليه السلام من زينب بنت جحش وإنباء بتخييره عليه السلام لنسائه بين الحياة الدنيا وزينتها، وبين الله ورسوله، وإنباء بأنه لا يحل لهن الأزواج من بعده، وغير ذلك من أنباء المنافقين والمرجفين.. إلخ. وصلاة الله عز وجل وملائكته على رسوله صلى الله عليه وسلم من أهم هذه الأنباء، بل أقدسها، لذا أوثر الوصف بالنبوة في الآية ليتناسب في مدلوله اللغوي مع غرض الآية ومعناها ومع سياق السورة.
والنداء في قوله سبحانه “ياأيها الذين آمنوا” استعمل فيه حرف النداء “يا” المستعمل لنداء البعيد، للإشارة الى ان المؤمنين ينادون لأمر عظيم مهم، وفي هذا ايقاظ للسامعين وتنبيه لهم، وإمالة قلوبهم وعقولهم لاستقبال ما بعد النداء، ولا يأتي ذلك النداء إلا في الاخبار المهمة عظيمة الشأن. وهكذا هيأت جملة النداء المؤمنين، وأرهفت مسامعهم لتلقي ذلكم الأمر الإلهي الابدي بالصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي هذا النداء ايضاً تذكير لمن آمن بخير صفاتهم صفة الإيمان، وفيه ايضاً نداء مباشر من المولى سبحانه لهم من دون وساطة، حيث لم يقل: قل يا أيها الذين آمنوا، وفي هذا كله تشريف لهم، وكأن النداء يرشحهم ويعدهم لتلقي التشريف بالصلاة والتسليم على الرسول صلى الله عليه وسلم، وهكذا تجد التناسق وصلة الرحم بين اوصال هذه الجملة الشريفة.
وفي التوطئة للأمر بالصلاة على النبي بذكر الفعل المضارع في “يصلون” اشارة الى الترغيب في الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تأسياً بصلاة الله وملائكته.
د. عادل أحمد الرويني
منقول من جريدة الخليج
الإمارات
منقول بدوره من تسخة مخبأة من الرابط :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]جزى الله تعالى فضيلة الدكتور الرويني كاتب هذا المقال خير الجزاء وناقله إلى الرابط المذكور