بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد عبد الله ورسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وصلى الله وسلم على المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات عدد ما ذكره الذاكرون وعدد ما غفل عن ذكره الغافلون صلاةً وتسليماً دائمين متلازمين مع البركات
يعلق فضيلة سيدي الشيخ جلال علي الجهاني ـ المالكي مذهباً والمشرف بمنتدى الأصلين ـ حفظه الله تعالى يعلق على رسالة العلامة الكوثري رحمه الله بما نصه :
اللامذهبية قنطرة اللادينية
كان هذا عنوان مقالة للإمام محمد زاهد الكوثري رحمه الله تعالى، حول بدعة كانت بداياتها قد بدأت بالانتشار في أوساط الحواضر الإسلامية، قبل حوالي قرن من الزمان.
وكان من بدايات ما قرأت في زمن الطلب، مقالات الكوثري رحمه الله، وعندما قرأت هذه المقالة ظننت أن فيها نوعاً من المبالغة، في الطعن في الوهابيين الذين كانوا ينكرون على أتباع المذاهب الفقهية، وكنت أظن حينها أنه رحمه الله قد جانبه الصواب في ذلك، حيث قال: (وليست هذه الدعوة المنكرة سوى قنطرة لللادينية السائدة في بلاد أخرى منيت بالإلحاد وكتبت لها التعاسة..).
ولكن مع مرور الزمان، وبقاء دولة أهل البدع والأهواء من أتباع النحلة الضالة التي ذكرها العلامة الكوثري رحمه الله تعالى، رأيتُ مدى صدق فراسته في ذلك، وبُعد نظره في فهم الأمور على حقيقتها.
ولا يزال الأمر يزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، فإن بدعة الطعن في الأئمة ومذاهب الفقهاء المتَّبَعين، أثرت في واقع الناس اليوم بآثار جد خطيرة، جعلت هذا الفكر قنطرة إلى العلمانية متظاهرة بانتمائها إلى الإسلام.
فأولاً: تسببت هذه الدعوة التي -ظاهرها براق، وباطنها جهل وضلال- في تصدع الرابط بين الأمة في العصر الحاضر وموروثها العلمي الديني عبر العصور، تظاهر ذلك في أول أمره بالدعوة إلى الأخذ من الكتاب والسنة مباشرة، والعودة بالناس إلى الصورة الحقيقة للدين التي كان عليها الصحابة الكرام ومن اتبعهم، فتسببت هذه الدعوة بقطع الأمة عن تاريخها العلمي المشرف الذي لا يمكن الحديث عن مكانته العالية. وهذا يعني أن الثوابت التي يقوم عليها الجانب الثقافي والحضاري للأمة قد ذهب وتلاشى، وأن الفوضى قد عمت العلوم والثقافة الإسلامية منذ القرن الرابع الهجري، أو منذ القرن العاشر الهجري، أو منذ القرن الثاني الهجري!! كأن الأمة قد ضلت الطريق منذ زمن ليس بقريب! فكيف ستكون قيمة العلوم الدينية في نفوس الناس الذين انتشر فيهم هذا الفكر الفاسد؟
وثانياً: تسببت هذه الدعوة الخطيرة في جرأة الناس على الاجتهاد الفقهي دون أي هيبة لهذا المقام، ودون أي احتراز أو حياء من العلم والعلماء، ضاربين بالقواعد والأصول المقررة عرض الحائط؛ لأنها جاءت من زمن التخلف الفقهي والجمود المذهبي والتعصب للباطل المذموم.
ولم يبق ذلك الأمر مقتصراً على من درس في المدارس الدينية الحديثة، التي هي نتيجة من نتائج هذه الدعوة الأثيمة، بل توسع الأمر ليكون لكل من يعرف معاني بعض كلمات العرب العرباء، الحق في إبداء رأيه في معاني القرآن الكريم ومعاني السنة الشريفة، ويجعل رأيه موازياً لفهم الأئمة الأعلام لأحكام الشريعة من النصوص الثابتة!!
وثالثاً: وهو لا يقل خطورة عن سابقيه، بل لعله أخطر منهما أثراً، ذلك هو جعل الأحكام الشرعية التي توارثتها الأمة المسلمة عبر العصور عبارة عن آراء أصحابها، وليس لها أي علاقة بالنصوص، فهي لا تعدو أن تكون فهوماً لهم، يمكن الأخذ بها ويمكن تركها!! وعلى ذلك فإننا لسنا ملزمين بأي حكم من الأحكام التي قررها الفقهاء والمجتهدون، ولو كان من الصحابة فإن رأيهم ليس بحجة في الشريعة!! وليس هناك أدنى حرجٍ من أن يكون رأياً يزعمه صاحبه فقهاً، في مصاف الآراء التي ينبغي الأخذ بها والعمل بها في هذا الزمان! في رتبة واحدة مع ما هو مقرر عبر القرون الماضية من أحكام شرعية عملت بها الأمة على اختلاف أصقاعها وأزمانها.
فكانت هذه الآثار أحد الأسباب التي بني عليها الفكر القومي العلماني، المتمثل في اتجاهات دعا أصحابها إلى علمانية مبطنة لا تحارب الإسلام في نظرهم!! وإنما تسعى إلى نقلة نوعية حضارية!! جديدة!! وفقه للواقع والأولويات يقابل فقه الفقهاء التقليدي!!
ومن أعجب ما تسمع هو احتجاج بعض المستشرقين في الجامعات الغربية الملحدة، بهذه الدعوى الفكرية خطيرة الأثر (الدعوة لنبذ المذاهب الإسلامية)، لتوجيه الباحثين إلى التحرر وتجديد القراءة والرؤية والمنهج للتراث والعلوم الدينية بمختلف أنواعها!! ومن طريف ما حصل لي في مناقشة أحد المستشرقين الهولنديين في مسألة تتعلق باستعمال المنطق في دحض شبهات النصارى في عقائدهم الفاسدة، احتجاج ذلك المستشرق بآراء ابن تيمية في تحريم المنطق، وأنه هو الرأي الذي يمثل الفكر الإسلامي المتنور!!
وما ترى من آثار ذلك في من ظهر نجمهم في الوقت الحاضر وقدموا للناس على أنهم مفكرون وباحثون وعلماء دين وعلماء بحث وفكر ومنهج، ليس إلا صورة من الصور الخطيرة على الأمة الإسلامية، غذاها الاستعمار الغربي الذي مازال يعيش في الوسط الفكري في بلاد المسلمين!!
وكم لهذه الدعوة من أثر على نشأة تيار التجديد الديني الذي ما زال نجمه ظاهراً وإن بدأ بالضمور شيئاً فشيئاً مع حركة الأمة –وإن ببطء- في طريق استعادة الدفة من أيدي جميع هؤلاء المنحرفين إلى ربطها بالمنهج الذي امتد وسيمتد في هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ببشارة الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين..).
ومن المضحكات المبكيات المؤسِفات، مشروع أحد الحاصلين على رتبة التخصص في أصول الفقه، بعد سؤالي له عن موضوع بحثه العميق!! في الأصول، قوله: إنه صاحب مشروع لبناء أصول الفقه على الأصول الفطرية للإسلام!! بعيداً عن الضلالات التي كانت سبباً لحصوله على درجة التخصص في أحد أشرف وأهم علوم الإسلام (أصول الفقه)...
وكم لذلك من آلاف الأشباه والأمثال، تستطيع الوقوف عليها بإلقاء نظرة في صفحات الانترنت الخاصة بطوائف أهل الضلالة من العلمانيين والمجددين والوهابيين والتيميين والسلفيين الجهاديين!! نسأل الله السلامة والعافية. آمين.
انتهى النقل من الرابط :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]